الجمعة، 9 نوفمبر 2012

سوريا المحتلة من العلويين .الخلاص ليس للسوريّين وحدهم

  في الأشهر الأولى لاندلاع الثورة السورية، كان النظام يتشدّق ويجاهر بأنه قادر على الحسم خلال بضعة أسابيع على الأكثر. ووعد أنصاره وأزلامه بالكثير من «المفاجآت الايجابية» التي ما لبثت أن انقلبت عليه، بحيث بات هو المتلقّي الأول للمفاجآت غير السارّة، والتي كان يردّ عليها بالمزيد من التعنّت والدمار وشلاّلات الدم. ومع ذلك، فإن التقديرات المقابلة بأن سقوط هذا النظام وشيك، لم تتحقّق أيضاً. حتى اللحظة لا يبدو سقوط حكم الأسد حتميّاً، لكن التطوّرات الميدانية، وتراخي قبضته الحديد على الدولة والبلد، وضعا انهياره الوشيك احتمالاً ممكناً في ظروف معيّنة. وهذا الاحتمال يقوى ويضعف تبعاً للتطوّرات على أرض المعركة العسكرية، كما على أرض المعركة الديبلوماسية والسياسية داخل سورية وفي العالم الأوسع.
وإذا كان احتمال السقوط النهائي يبدو ضعيفاً الآن، لأن روسيا والصين تقفان خلف الأسد، وتمنعان مجلس الأمن من اتّخاذ قرار يؤدّي عملياً الى إسقاطه، ولأن أميركا وأوروبا المؤيّدتين للثوّار ليستا في وارد إسقاطه بعمل عسكري مباشر منهما؛ ولأنهما يمنعان تزويد الثوّار ما يمكّنهم من التقدّم والانتصار ويكتفيان بتمكينهم من الصمود؛ ولأن تركيا لا تبدو قادرة، على رغم تهديداتها السابقة، على عمل عسكري مباشر من دون غطاء دولي أو أطلسي؛ ولأن العرب المؤيّدين للثوّار يحجمون عن الدعم الكامل لثوّار سورية؛ وإذا كان ثمّة أمل في أن تكون بلدان «الربيع العربي» أكثر البلدان شعوباً وقيادات في مواجهة هذا الكابوس الذي أصاب أشقّاءهم في سورية.. وإذا يقدْر لبعضهم أن تصبح الأزمة السورية حاضرة في خطابهم، وهم يدعمون مطالب شعب يدافع عن حرّيّته وحقوقه.. فإنه لمن الغريب أن يتبعوا سنن من كان قبلهم.. فلا تتجاوز تلك الخطب العصماء الآذان وتبقى تطلّعاتهم لهذا الشعب المنكوب مشروطة بالدعاء فقط للسوريين بالخلاص.
حتى لو لم ينكسر النظام بعد، فإن ذلك لا يعني أنه سينتصر؛ فالزلزال ضرب سورية وحجم الخسائر والأضرار المهولة لم تظهر بعد، وهي كفيلة وحدها بظهور سورية جديدة غير سورية التي نعرفها أو عرفناها، والتي جعلها حكم عائلة الأسد على مقاس عشيرتهم. أي تسوية محتملة لن تعيد سورية الى السابق ولن تعطي آل الأسد مكانتهم التي احتكروها طوال أربعين سنة.
سورية الجديدة لن تكون فقط خشبة إنقاذ للسوريين من جور نظام مستبدّ ومتعسّف صحّر البلاد سياسياً واقتصادياً وقطع عنها هواء الحرّيّة، بل ستكون أيضاً إنقاذاً للبنان والمنطقة.
سيكون العراق أقلّ غلواء طائفية، وسيجد النظام العراقي نفسه بجوار سورية مختلفة مما يعيد التوازن الى المشهد العراقي.. وستضعف أحلام النظام الإيراني بدور في إخضاع منطقة الخليج لمنطق مصالحه ومشروعاته.
الخلاص من النظام البعثي في سورية لن يكون في مصلحة السوريين وحدهم. زرع هذا النظام في أحشاء بلاد الشام نفوذاً واسعاً للنظام الإيراني، امتدّ ليرتهن بلداً مثل لبنان. تفجير لبنان سيكون هدفاً للنظام حيث لا يزال يملك الأدوات اللازمة لذلك. ليس مصادفة أن يكون النظام الإيراني منخرطاً في المعركة السورية حتى العظم، ويعتبر المعركة هناك معركته المصيرية. إنها معركة إيران الكبرى وليست معركة نظام آيل للسقوط فقط. المعركة الفاصلة بين مشروعين وطموحين وهدفين كبيرين لن تكون سهلة.. فإن لم يكن من أجل ثورة شعب قدّم الغالي والنفيس، ومن أجل استعادة حرّيّته وكرامته وحقوقه.. فمن أجل ألا نعضّ غداً أصابع الندم.. ونحن نرى كابوس التحالف الاستراتيجي الجديد يخيّم على العراق وبلاد الشام والمنطقة بأسرها إلى أمد طويل طويل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق