نتائج
الانتخابات البرلمانية في ليبيا التي اكدت فوز الليبراليين بقيادة محمود
جبريل وتراجع حظوظ التيار الاسلامي، كانت مفاجئة للكثيرين داخل الوطن
العربي وخارجه، لأمرين اساسيين: الاول انها جاءت حرة ونزيهة ،حسب تقارير
المراقبين الغربيين، والثاني لكونها كسرت نمطا سائدا في انتخابات دول
الربيع العربي، وهو اكتساح الاسلاميين، و'الاخوان المسلمين' منهم على وجه
الخصوص، لغالبية المقاعد النيابية، بل وسدة الرئاسة، مثلما حصل في مصر جارة
ليبيا الشرقية.
في السابع من تموز (يوليو) توجه مليون وثمانمئة الف ناخب ليبي الى صناديق الاقتراع للمرة الاولى منذ نصف قرن تقريبا، بعد ان عاشوا في ظل نظام يجرّم الاحزاب والديمقراطية والتعددية، ويفرض نظـــاما ديكتاتوريا يقوم على الفساد ووأد المعارضة، ومطاردة الاسلاميين واجتثاثهم في اي مكان يتواجدون فيه داخل ليبيا.
نعترف بأن الناخبين الليبيين فاجأونا مثلما فاجأوا غيرنا بالذهاب الى صناديق الاقتراع بأعداد كبيرة، وبنسبة اقتربت من السبعين في المئة للإدلاء بأصواتهم، كما ان اجراء هذه الانتخابات في اجواء هادئة مع تجاوزات امنية محدودة، رغم غابة البنادق والميليشيات المسلحة التي تعيش في ظلها البلاد، اثبت خطأ توقعات عديدة، ومن بينها ايضا توقعاتنا.
هذا الاعتراف لا يعني مطلقا ان الاوضاع في ليبيا على ما يرام، وان الطريق بات معبّدا نحو الاستقرار والازدهار، فهناك مطبّات، بل الغام عديدة، ما زالت مزورعة في وسطه وعلى جانبيه، وقد تنفجر في اي لحظة، فرادى او مجتمعة.
ليبيا الجديدة تعيش حالة من الانقسام الأفقي والرأسي، وهناك مناطق وقبائل ما زالت تشعر بالمرارة والتهميش، في ظل غياب المصالحة الوطنية، بعضها كان مواليا للنظام السابق ودفعت ثمن موالاتها بالدم والقتل والاضطهاد والتعذيب، والبعض الآخر يريد الانفصال واقامة دولته المستقلة بعيدا عن مناطق ليبيا الاخرى، وبما يمكّنه من الاستئثار بثروات النفط الموجودة في باطن اقليمه، ونحن نتحدث هنا عن الحركة الانفصالية في اقليم برقة التي حاولت تعكير اجواء هذه الانتخابات.
' ' '
فوز الليبراليين بأغلبية المقاعد في البرلمان الليبي الجديد جاء لعدة اسباب، يمكن ان نلخصها في النقاط التالية:
اولا: الشعب الليبي في معظمه شعب متدين، اميل الى الاسلام الصوفي، ولم تصل اليه الافكار الاسلامية المتشددة، وإن وصلت فهي متأخرة وفي اماكن محدودة، معظمها في الشرق. الاسلام الليبي يمكن وصفه بالاسلام الدعوي المعتدل.
ثانيا: نظام العقيد القذافي، وعلى مدى اربعين عاما اعتبر الاسلاميين عدوه الأكبر، وحاربهم بطريقة شرسة، ومجزرة سجن ابو سليم التي راح ضحيتها اكثر من الف ومئتي معتقل ، هي ابرز الأمثلة على حربه الشرسة هذه، وهذا لا يعني انه لم يحارب جماعات اخرى معارضة، او رأى انها معارضة لحكمه، مثل اليساريين، ولكن حربه ضد هؤلاء كانت اقل شراسة، ربما لأن خطرهم كان اقل كثيرا من خطر الاسلاميين.
ثالثا: التيار الاسلامي الذي تحمل العبء الأكبر من الحرب للاطاحة بالنظام السابق، وقدّم اعدادا كبيرة من الضحايا، لم يكن منظما سياسيا، على طريقة حركة الاخوان المسلمين في مصر، وحزب النهضة في تونس، ولم يظهر تنظيم الاخوان الليبي كحركة سياسية الا قبل اشهر معدودة من موعد اجراء الانتخابات.
رابعا: الأخطاء التي ارتكبت من قبل بعض الحركات الاسلامية، وخاصة في مصر وتونس، علاوة على عمليات الشيطنة التي تكثفت من قبل جهات عديدة، بعضها غربية، مدعومة بضخ اعلامي شرس، ساهمت في دفع الكثير من الناخبين الى اعطاء اصواتهم للتيار الليبرالي.
خامسا: التيار الليبرالي كان الأكثر تنظيما وخبرة، وادار حملة انتخابية بطريقة ذكية، معتمدا على خبرات غربية، فمعظم رموزه، والسيد جبريل على رأسهم، تعلم في الولايات المتحدة الامريكية وهذا ما يفسر التركيز في حملته الانتخابية على شعارات جذابة مثل حقوق المرأة، وحفظ الحريات الشخصية الليبرالية، والتركيز على التعايش والمصالحة الوطنية والقيم الاجتماعية الليبرالية، ولا يمكن ان ننسى ان الغرب 'الليبرالي' لعب الدور الأكبر في اطاحة النظام الديكتاتوري، من خلال تدخله العسكري، وهو ما زال يدعم الليبراليين الذين وفروا الغطاء لتدخله هذا.
اجراء انتخابات حرة نزيهة، والفوز فيها هو الخطوة الاسهل في بلد مثل ليبيا، ونعتقد ان التيار الليبرالي الفائز سيواجه تحديات كبيرة، ربما تنفجر في اشكال شتى، من بينها الحرب الأهلية.
' ' '
ويمكن تلخيص هذه التحديات في عدة نقاط اساسية لا يمكن القفز عنها، او تجاهل اهميتها وخطورتها في الوقت نفسه:
التحدي الاول: قبول التيار الاسلامي بتسليم عجلة القيادة والزعامة في ليبيا لخصمه الليبرالي الفائز في الانتخابات، وقد بدأنا نسمع اصواتا من بينها صوت السيد محمد صوان، زعيم حزب العدالة والبناء الاخواني، يشكك في ولاءات الدكتور جبريل ويصفه بانه من حلفاء نظام العقيد القذافي.
رفض الاسلاميين لنتائج الانتخابات وتمردهم على قيادة الدكتور جبريل وزملائه في التحالف الليبرالي قد يتطور، اذا استمر، اما الى شلل سياسي، او صدامات دموية تكون الغلبة فيها للاسلاميين، لانهم يملكون السلاح والانصار والكتائب العسكرية، اوالاثنين معا، اي الشلل والصدام.
التحدي الثاني: كيفية تشكيل حكومة وحدة وطنية تجسد مكونات الشعب الليبي الثقافية والمناطقية والقبلية، وتحظى بتأييد ومساندة دول الجوار.
التحدي الثالث: نزع اسلحة الميليشيات وبسط الأمن في البلاد، وإعادة بناء هياكل الدولة ومؤسساتها، ووقف كل انتهاكات حقوق الانسان واعمال التمييز العرقي والقبلي والمناطقي على اساس اللون والجنس والعرق، والافراج عن جميع المعتقلين بمن في ذلك المتهمون بالانتماء للنظام السابق، طالما انهم لم يرتكبوا جرائم يعاقب عليها القانون، واذا كانوا قد ارتكبوا هذه الجرائم، فلا بدّ من تقديمهم الى محاكم في اطار قضاء عادل مستقل.
التحدي الرابع: الحفاظ على الوحدة الديموغرافية والترابية لليبيا، ومواجهة التيارات الانفصالية، والقضاء على الفساد، وتكريس مبدأ التوزيع العادل للثروة، وتوفير الخدمات الاساسية، ووضع خطط تنمية تشمل جميع انحاء البلاد دون اي تمييز.
الشعب الليبي عانى طويلا، وربما اكثر من اي شعب عربي آخر، في ظل حكم ديكتاتوري كتم على انفاسه لأكثر من اربعين عاما، وهي معاناة لم تكن مفهومة او مبررة، فمطالبه متواضعة جدا، ولم يتطلع مطلقا الى ما هو اكثر من تلبية احتياجاته الضرورية والاساسية في التعليم والصحة والعيش الكريم، في بلد نفطي غني يدخل خزينة دولته اكثر من ستين مليار دولار سنويا كعوائد نفطية.
الاخطار ما زالت كبيرة، واحتمالات الصدام ما زالت تخيم على البلاد التي اصبحت غابة سلاح، وما زالت اسباب التوتر تحت الرماد، ومن يزر تاورغاء وسرت وبني الوليد، ومن يقرأ تقارير منظمات حقوق الانسان الغربية حول القتل والتعذيب والاقصاء والتمييز يمكن ان يدرك حقيقة ما نقول.
نتمنى لليبيا الجديدة والديمقراطية فجرا جديدا من التعايش والتآلف والازدهار، فالشعب الليبي الطيب يستحق ما هو اكثر من ذلك.Twier:@abdelbariatwan
في السابع من تموز (يوليو) توجه مليون وثمانمئة الف ناخب ليبي الى صناديق الاقتراع للمرة الاولى منذ نصف قرن تقريبا، بعد ان عاشوا في ظل نظام يجرّم الاحزاب والديمقراطية والتعددية، ويفرض نظـــاما ديكتاتوريا يقوم على الفساد ووأد المعارضة، ومطاردة الاسلاميين واجتثاثهم في اي مكان يتواجدون فيه داخل ليبيا.
نعترف بأن الناخبين الليبيين فاجأونا مثلما فاجأوا غيرنا بالذهاب الى صناديق الاقتراع بأعداد كبيرة، وبنسبة اقتربت من السبعين في المئة للإدلاء بأصواتهم، كما ان اجراء هذه الانتخابات في اجواء هادئة مع تجاوزات امنية محدودة، رغم غابة البنادق والميليشيات المسلحة التي تعيش في ظلها البلاد، اثبت خطأ توقعات عديدة، ومن بينها ايضا توقعاتنا.
هذا الاعتراف لا يعني مطلقا ان الاوضاع في ليبيا على ما يرام، وان الطريق بات معبّدا نحو الاستقرار والازدهار، فهناك مطبّات، بل الغام عديدة، ما زالت مزورعة في وسطه وعلى جانبيه، وقد تنفجر في اي لحظة، فرادى او مجتمعة.
ليبيا الجديدة تعيش حالة من الانقسام الأفقي والرأسي، وهناك مناطق وقبائل ما زالت تشعر بالمرارة والتهميش، في ظل غياب المصالحة الوطنية، بعضها كان مواليا للنظام السابق ودفعت ثمن موالاتها بالدم والقتل والاضطهاد والتعذيب، والبعض الآخر يريد الانفصال واقامة دولته المستقلة بعيدا عن مناطق ليبيا الاخرى، وبما يمكّنه من الاستئثار بثروات النفط الموجودة في باطن اقليمه، ونحن نتحدث هنا عن الحركة الانفصالية في اقليم برقة التي حاولت تعكير اجواء هذه الانتخابات.
' ' '
فوز الليبراليين بأغلبية المقاعد في البرلمان الليبي الجديد جاء لعدة اسباب، يمكن ان نلخصها في النقاط التالية:
اولا: الشعب الليبي في معظمه شعب متدين، اميل الى الاسلام الصوفي، ولم تصل اليه الافكار الاسلامية المتشددة، وإن وصلت فهي متأخرة وفي اماكن محدودة، معظمها في الشرق. الاسلام الليبي يمكن وصفه بالاسلام الدعوي المعتدل.
ثانيا: نظام العقيد القذافي، وعلى مدى اربعين عاما اعتبر الاسلاميين عدوه الأكبر، وحاربهم بطريقة شرسة، ومجزرة سجن ابو سليم التي راح ضحيتها اكثر من الف ومئتي معتقل ، هي ابرز الأمثلة على حربه الشرسة هذه، وهذا لا يعني انه لم يحارب جماعات اخرى معارضة، او رأى انها معارضة لحكمه، مثل اليساريين، ولكن حربه ضد هؤلاء كانت اقل شراسة، ربما لأن خطرهم كان اقل كثيرا من خطر الاسلاميين.
ثالثا: التيار الاسلامي الذي تحمل العبء الأكبر من الحرب للاطاحة بالنظام السابق، وقدّم اعدادا كبيرة من الضحايا، لم يكن منظما سياسيا، على طريقة حركة الاخوان المسلمين في مصر، وحزب النهضة في تونس، ولم يظهر تنظيم الاخوان الليبي كحركة سياسية الا قبل اشهر معدودة من موعد اجراء الانتخابات.
رابعا: الأخطاء التي ارتكبت من قبل بعض الحركات الاسلامية، وخاصة في مصر وتونس، علاوة على عمليات الشيطنة التي تكثفت من قبل جهات عديدة، بعضها غربية، مدعومة بضخ اعلامي شرس، ساهمت في دفع الكثير من الناخبين الى اعطاء اصواتهم للتيار الليبرالي.
خامسا: التيار الليبرالي كان الأكثر تنظيما وخبرة، وادار حملة انتخابية بطريقة ذكية، معتمدا على خبرات غربية، فمعظم رموزه، والسيد جبريل على رأسهم، تعلم في الولايات المتحدة الامريكية وهذا ما يفسر التركيز في حملته الانتخابية على شعارات جذابة مثل حقوق المرأة، وحفظ الحريات الشخصية الليبرالية، والتركيز على التعايش والمصالحة الوطنية والقيم الاجتماعية الليبرالية، ولا يمكن ان ننسى ان الغرب 'الليبرالي' لعب الدور الأكبر في اطاحة النظام الديكتاتوري، من خلال تدخله العسكري، وهو ما زال يدعم الليبراليين الذين وفروا الغطاء لتدخله هذا.
اجراء انتخابات حرة نزيهة، والفوز فيها هو الخطوة الاسهل في بلد مثل ليبيا، ونعتقد ان التيار الليبرالي الفائز سيواجه تحديات كبيرة، ربما تنفجر في اشكال شتى، من بينها الحرب الأهلية.
' ' '
ويمكن تلخيص هذه التحديات في عدة نقاط اساسية لا يمكن القفز عنها، او تجاهل اهميتها وخطورتها في الوقت نفسه:
التحدي الاول: قبول التيار الاسلامي بتسليم عجلة القيادة والزعامة في ليبيا لخصمه الليبرالي الفائز في الانتخابات، وقد بدأنا نسمع اصواتا من بينها صوت السيد محمد صوان، زعيم حزب العدالة والبناء الاخواني، يشكك في ولاءات الدكتور جبريل ويصفه بانه من حلفاء نظام العقيد القذافي.
رفض الاسلاميين لنتائج الانتخابات وتمردهم على قيادة الدكتور جبريل وزملائه في التحالف الليبرالي قد يتطور، اذا استمر، اما الى شلل سياسي، او صدامات دموية تكون الغلبة فيها للاسلاميين، لانهم يملكون السلاح والانصار والكتائب العسكرية، اوالاثنين معا، اي الشلل والصدام.
التحدي الثاني: كيفية تشكيل حكومة وحدة وطنية تجسد مكونات الشعب الليبي الثقافية والمناطقية والقبلية، وتحظى بتأييد ومساندة دول الجوار.
التحدي الثالث: نزع اسلحة الميليشيات وبسط الأمن في البلاد، وإعادة بناء هياكل الدولة ومؤسساتها، ووقف كل انتهاكات حقوق الانسان واعمال التمييز العرقي والقبلي والمناطقي على اساس اللون والجنس والعرق، والافراج عن جميع المعتقلين بمن في ذلك المتهمون بالانتماء للنظام السابق، طالما انهم لم يرتكبوا جرائم يعاقب عليها القانون، واذا كانوا قد ارتكبوا هذه الجرائم، فلا بدّ من تقديمهم الى محاكم في اطار قضاء عادل مستقل.
التحدي الرابع: الحفاظ على الوحدة الديموغرافية والترابية لليبيا، ومواجهة التيارات الانفصالية، والقضاء على الفساد، وتكريس مبدأ التوزيع العادل للثروة، وتوفير الخدمات الاساسية، ووضع خطط تنمية تشمل جميع انحاء البلاد دون اي تمييز.
الشعب الليبي عانى طويلا، وربما اكثر من اي شعب عربي آخر، في ظل حكم ديكتاتوري كتم على انفاسه لأكثر من اربعين عاما، وهي معاناة لم تكن مفهومة او مبررة، فمطالبه متواضعة جدا، ولم يتطلع مطلقا الى ما هو اكثر من تلبية احتياجاته الضرورية والاساسية في التعليم والصحة والعيش الكريم، في بلد نفطي غني يدخل خزينة دولته اكثر من ستين مليار دولار سنويا كعوائد نفطية.
الاخطار ما زالت كبيرة، واحتمالات الصدام ما زالت تخيم على البلاد التي اصبحت غابة سلاح، وما زالت اسباب التوتر تحت الرماد، ومن يزر تاورغاء وسرت وبني الوليد، ومن يقرأ تقارير منظمات حقوق الانسان الغربية حول القتل والتعذيب والاقصاء والتمييز يمكن ان يدرك حقيقة ما نقول.
نتمنى لليبيا الجديدة والديمقراطية فجرا جديدا من التعايش والتآلف والازدهار، فالشعب الليبي الطيب يستحق ما هو اكثر من ذلك.Twier:@abdelbariatwan
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق