الحمد لله الأول والآخر، والظاهر والباطن،
واهب النعم، واسع الكرم، أحمده حمد من يعلم أنه مسبب الأسباب، وأشكره شكر من تاب
إليه وأناب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العزيز الوهاب، وأشهد أن
سيدنا محمدا عبد الله ورسوله النبي المصطفى الأواب، فاللهم صل وسلم وبارك على
سيدنا محمد ما طلع نجم وغاب، وعلى آله وأصحابه الأخيار الأحباب، ومن تبعهم بإحسان
إلى يوم الحساب.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل، قال تعالى:(
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم
ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
أيها المؤمنون: سورة التكاثر من سور القرآن الكريم التي
اشتملت على كثير من الدروس والعظات، والعبر والتوجيهات، التي لا يستغني عنها
الإنسان في عقيدته وعباداته، وأخلاقه ومعاملاته، قال الله سبحانه:(
ألهاكم التكاثر* حتى زرتم المقابر* كلا سوف تعلمون* ثم كلا سوف تعلمون*كلا
لو تعلمون علم اليقين* لترون الجحيم* ثم لترونها عين اليقين* ثم لتسألن يومئذ عن
النعيم) فمن أبرز ما تناولته السورة بيان حال بعض الناس
في التنافس على الدنيا ونسيان الآخرة.
وقوله سبحانه:(
ألهاكم التكاثر* حتى زرتم المقابر) أي انشغلتم بكثرة المال
والعدد عن طاعة الله تعالى حتى متم ودفنتم في المقابر.
وقد حذر القرآن الكريم من طغيان حب المال على
قلب المرء، فينسيه طاعة الله تعالى ويشغله عن ذكره، قال عز وجل:(
يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك
فأولئك هم الخاسرون)
وقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
كيفية التعامل مع المال، فقال لمن يتفاخر بماله:« يقول ابن آدم مالي مالي.
وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت».
وحذر صلى الله عليه وسلم من التنافس في
الدنيا فقال:« والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم
الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها وتلهيكم كما ألهتهم»
وبين صلى الله عليه وسلم أن ميدان التنافس
يكون بالأعمال الصالحة التي يدخر الإنسان ثوابها لآخرته فقال :« يتبع
الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله،
ويبقى عمله».
وقال بشر بن الحارث رحمه الله: لابن آدم في ماله
ثلاث حسرات: يجمعه كله، ويتركه كله، ويسأل عنه كله.
أيها المسلمون: وتناولت سورة التكاثر مسألة اليقين في الله
عز وجل، قال تعالى:( كلا لو تعلمون علم اليقين* لترون
الجحيم) أي لو تعلمون ما يكون في يوم القيامة من الأهوال كالبعث والحشر
والحساب لشغلكم ذلك عن التنافس في الدنيا والمباهاة بزخرفها.
ومعنى اليقين في الله تعالى هو التصديق
الجازم بأسماء الله تعالى وصفاته وحسن تدبيره، فيرضى العبد بقضائه وقدره، ليصل إلى
أعلى مراتب الإيمان، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: الصبر نصف الإيمان،
واليقين الإيمان كله.
وإذا وصل اليقين بالله تعالى إلى القلب امتلأ
نورا وإشراقا، وخشية منه ومحبة وخوفا منه، ورضا وشكرا، وانتفى عنه كل ريب وشك، قال
صلى الله عليه وسلم:« أفضل الأعمال عند الله إيمان لا شك فيه».
عباد الله: ومن اليقين أن تكون العلاقة بين العبد وربه قائمة على
الثقة المطلقة، فقد حكى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل ممن كان
قبلنا سأل رجلا أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم. فقال: كفى بالله
شهيدا. قال: فأتني بالكفيل. قال: كفى بالله كفيلا. قال: صدقت. فدفعها إليه إلى أجل
مسمى، فلما حل أجل السداد خرج إلى البحر يلتمس مركبا يركبها، فلم يجد، فأخذ خشبة،
فنقرها فأدخل فيها ألف دينار، وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم دفع بها إلى البحر... فخرج
الدائن ينتظره فإذا بالخشبة التى فيها المال، فأخذها لأهله حطبا، فلما نشرها وجد
المال والصحيفة».
فانظروا عباد الله إلى يقين هذا الرجل، وكمال
ثقته في الله، وكيف أن الله تعالى سخر له أمواج البحر لتنقل أمانته وتؤدي دينه.
اللهم هب لنا يقينا يربط قلوبنا بحبك، ولا
يلهينا عن ذكرك، اللهم وفقنا لطاعتك وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك:( يا
أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبسنة نبيه
الكريم صلى الله عليه وسلم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو
الغفور الرحيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق