السلام عليكم
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على
عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً
ورسوله. وبعد:
فهذا كعب بن الأشرف
-عليه لعنة الله- لما رأى ما أصاب المشركين في غزوة بدر -وكان
من يهود المدينة- عز عليه ذلك، وذهب وقطع الفيافي والقفار إلى أهل مكة،
وإلى صناديد الشرك والكفر، فرتب أن يخون معهم من الداخل، وأن يهجموا هم
من الخارج، ظناً منهم غياب ذلك عن اللطيف الخبير، فلما رجع كعب بن الأشرف لم
يسكت ولم يكتف بذلك، بل شبب بنساء المسلمين، وهذا أمر يؤذي
أهل الإيمان أيما إيذاء، أن يتكلم أحد عن امرأتك وأمك وأختك إلا أن يكون ديوثاً
يقبل ذلك. فلما فعل
ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لي بـكعب بن الأشرف؟ فقام محمد بن مسلمة رضي
الله عنه وقال: أنا يا رسول الله، قال: قم. فاقتله، قال: ائذن
لي يا رسول الله، فإن الأمر لا يتم إلا بذلك -أي: بالطعن في رسول الله- قال: أنت
في حل من ذلك فافعل ما شئت، فلما سمع ذلك أبو نائلة رضي
الله عنه قام مع محمد بن مسلمة وأتيا كعب بن الأشرف ،
فلما نادى عليه أبو نائلة قالت
امرأته -وكانت ذكية-: يا كعب
! إن هذا الصوت صوت قاتل، فجعل من نفسه شهماً وشجاعاً،
وقال: لو نادى علي أمير
أو ملك في هذا الوقت لأجبته، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: جئنا لنتكلم معك في شأن ذاك
الرجل الذي ادعى أن الله أرسله، قال: ألم أقل لكم إنه يفرق بين المرء
وزوجه، ألم أقل لكم كيت وكيت، فأتى بكل ما عنده، فقالوا: وإنا قد أجدبنا -أصابنا
القحط والجوع- فهل لنا أن نستطعمك، قال: أترهنوني نساءكم؟ وكان جميلاً
-قالوا: يا كعب
! ماذا تقول عنا العرب وأنت أجملهم، قال: ترهنوني أولادكم؟
قالوا: يا كعب
! وهل يرضيك أن يعير أولادنا بعد ذلك من صبية المدينة، قال:
فماذا ترهنون؟ قالوا:
نرهنك دروعنا وسيوفنا، فقبل ذلك، فأخذ السيف وأعطاهم الطعام، فلما أراد محمد بن مسلمة أن
يعطيه سيفه، قال: هي عليك يا محمد، وسلم أبو نائلة سيفه
وبقي مع محمد بن مسلمة سيفه،
فأخذا الطعام وانصرفا، ثم رجعا إليه في اليوم الثاني، فناديا
عليه فنزل إليهما فرحاً مسروراً، فسار معهم في شعاب المدينة، فلما وجدوا
أماناً أطاحوا برأسه، وأتوا به على ذبابة سيف محمد بن مسلمة إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا جزاء من حارب الله ورسوله).
انظروا لأقوام يدخلون هذه المخاطرة الخسارة فيها كبيرة،
ولكن ذلك إنما كان دفاعاً
عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن دينه وشرعه. من
علامات الإيمان والحب أن تظهر سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تذب عن دينه وشرعه،
وأن تكون علماً على دينك بين الناس، إذا سرت في شارع قال الناس:
هذا تابع لمحمد، فهل يقول عنك الناس ذلك؟ ما الفرق بينك وبين حنا؟ ما الفرق
بينك وبين بولس؟ ما الفرق بينك وبين جرجس؟ ربما يكون هناك شبه في المظهر.
لو أني لقيتك في طريقي يا عبد الله ما يدريني أنك مسلم
أم كافر، إلا أن تظهر
بمظهر الإسلام، وباطنك الله أعلم به. عنوان
طاعتك لله أن تكون منقاداً عند سماع الأمر والنهي، تمتثل الأمر وتنتهي عن
النهي، وتفعل كما فعل المهاجرون والأنصار. انظر
إلى موقف واحد: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي أولاً باتجاه بيت المقدس،
فتمنى أن يصلي إلى الكعبة، فبعد أن صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو
سبعة عشر شهراً، أنزل الله عز وجل عليه وهو في المدينة: قَدْ نَرَى
تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144].
فنسخت الصلاة تجاه بيت المقدس، وأمر الناس أن يصلوا إلى
بيت الله الحرام، فصلى
رجل من الأنصار العصر مع النبي صلى الله عليه وسلم، وانطلق إلى مسجد آخر وهم
يصلون العصر، وهم ركوع، فوقف على باب المسجد، وقال: إني صليت مع النبي صلى
الله عليه وسلم العصر نحو الكعبة، فلم ينتظر القوم حتى يصلوا العصر ثم
يستأنفوا من المغرب أو العشاء، أو يتأكدوا من رسول الله، وإنما بادروا إلى الفعل،
وتحولوا وهم ركوع إلى الكعبة! انظر إلى هذه الطاعة. وهذا أنس بن مالك ابن أم سليم،
وكان زوج أمه أبو طلحة،
يقول أنس:
(كنت ساقي
الخمر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم منادياً: ألا
إن الخمر قد حرمت،
قال أنس
: فسمع القوم وهم جلوس في بيت أبي طلحة ذلك
المنادي، فقال أبو طلحة والقوم:
يا أنس اخرج
وأهرق هذا الماء في سكك المدينة). انظر إلى سرعة تنفيذ الأمر، من دون تردد، أو
استنكار. قال أنس:
(فلما خرجت
وجدت أن خمر أهل المدينة قد سارت بها سكك المدينة). نعم
الخمر حرام، ومع هذا تشربونها بعد ألف وأربعمائة سنة، وتأكلون الخنزير،
وتبيعون الخنزير، وتكسبون من الخنزير، الذي بلغكم هو الذي بلغ أبا طلحة و أنساً، فماذا أنتم
فاعلون؟ وماذا أنتم قائلون؟ فهل نقول بعد ذلك: إننا مسلمون؟!
نحن في أمس الحاجة أن نقف وقفة لله مع أنفسنا، ومع
قلوبنا. الله عز وجل
ينادي عليك في اليوم خمس مرات، فهل تجيبه؟ الله
عز وجل ينادي عليك عند بيته الحرام مرة واحدة في العمر، وقد رزقك المال،
وأعطاك الصحة والعافية، فهل تجيب؟ الله
عز وجل قد نادى عليك شهراً في العام لتصومه لا لتنفع الله عز وجل، ولا لتنفع
الرسول، فإن حبك لله ورسوله لا ينفعهما بشيء، بل ينفعك أنت، ويزكيك أنت، ويطهرك
أنت. الله عز وجل
نادى على عباده وأغنيائه بإخراج الزكاة من مال الله للفقراء، وجلكم
أغنياء فمن يستجيب، ومن يسمع؟ الكل مات إلا من رحم ربك. إذا
كان هذا جانب الرجال، فكذلك في جانب النساء. فهؤلاء
نسوة خرجن في محفل كهذا المحفل، فاختلط الرجال بالنساء، فلما رأى ذلك النبي
صلى الله عليه وسلم قال: (ليس للنساء وسط
الطريق، إنما المرأة تمشي على حافة الطريق، فلما سمعن ذلك كانت المرأة
تلتصق بالجدار حتى إن الجدار ليأخذ بثوب المرأة)،
لماذا؟ طاعة وحباً
واتباعاً. وهذه أخرى (أتت إلى النبي
صلى الله عليه وسلم ومعها ابنتها وفي يدها سواران من ذهب غليظان،
فلما رآهما النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت:
لا، قال: أتحبين أن يسورك الله بسوارين من نار؟ فخلعت
المرأة تلك الأساور وألقتها،
وقالت: هما لله ولرسوله)، ولذلك قال
النبي عليه الصلاة والسلام:
(يا معشر
النساء! تصدقن ولو من حليكن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار). هذا
موقف امرأة فهل بلغه الذكور في هذا الزمان؟ أمر ينبغي أن نقف عنده.
(لما صلى
النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه، في أثناء صلاته خلع نعله فألقاه عن شماله -ومن
السنة- أن يكون نعلك من خلفك، أو عن شمالك إن لم يكن عن شمالك من يصلي -فلما
رأى ذلك الصحابة رضي الله عنهم خلعوا نعالهم فألقوها، فلما انتهى النبي
صلى الله عليه وسلم من صلاته قال: ما حملكم على خلع نعالكم؟ قالوا: رأيناك
قد خلعت نعليك فخلعنا نعالنا). تقليد، قلد
أنت النبي عليه
الصلاة والسلام، قلد الصحابة، قلد الأئمة، قلد العلماء، قلد الصالحين، قلد أي أحد،
المهم أن يكون في ميزانك ورصيدك يا عبد الله، لا تضيع، لا تتوه.
يا عبد الله أقبل إلى ربك، فإن الله يفرح بك أكثر من
فرحك به، (قالوا:
رأيناك خلعت نعلك فخلعنا نعالنا، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم: إنما ذاك جبريل
قد نزل فأخبرني أن بهما قذراً، وأمرني أن أخلعهما ففعلت، وإذا أتى أحدكم إلى
المسجد فلينظر في نعله، فإن وجد به أذى فليمسحهما بالأرض وليصل فيهما).
وقال: (خالفوا اليهود،
فإنهم لا يصلون في نعالهم فصلوا في نعالكم). وهذا
إذا لم يترتب على
الصلاة في النعال ضرر أو مفسدة. أما النبي
عليه الصلاة والسلام فما كان يخلع نعله خصيصاً للصلاة، ولا كان يلبسه
خصيصاً للصلاة، فإذا أدركته الصلاة منتعلاً صلى منتعلاً، وإذا أدركته حافياً صلى
حافياً. اللهم اغفر
للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.
اللهم عليك باليهود والنصارى، اللهم أرنا فيهم يوماً
أسود. اللهم اكتب
النصر لعبادك وأوليائك. اللهم ارفع
البلاء عن عبادك، اللهم ارفع البلاء عن عبادك، اللهم انصر المجاهدين
في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، كن لهم ولا تكن عليهم، كن
لهم ولا تكن عليهم، كن لهم ولا تكن عليهم. اللهم
وارفع البلاء عن المسلمين، اللهم وارفع البلاء عن الجزائريين، اللهم ارفع البلاء
عن المجاهدين في كل بقاع الأرض يا رب العالمين. اللهم
اغفر لنا ذنبنا، جدنا وهزلنا، سرنا وعلانيتنا، وكل ذلك عندنا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
وصلى الله على نبينا محمد.......
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق