روى البخاري و مسلم من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:
(بايعنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم على السمع الطاعة في المنشط والمكره، في العسر واليسر). في كل أحوالهم،
المرء منا إذا وقع في ضائقة عرف الله ولجأ إليه، فإذا
كان في رخاء ورغد من العيش ظن أنه في غنى عن الله، انظر إلى الفرق بيننا
وبين الصحابة قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في
المنشط والمكره، في العسر واليسر، وعلى أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر
أهله، إلا أن نجد كفراً بواحاً لنا فيه من الله برهان، وأن نقول الحق لا
نخشى في الله لومة لائم). وهذا سلمة بن الأكوع يأتي في نفر من أصحابه فيقول:
(ابسط يمينك يا رسول الله
فلنبايعك، قال: على ماذا يا سلمة ؟ قال: على الموت). رجل يفدي النبي صلى الله عليه وسلم بدمه فبماذا
فديته أنت؟ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في إحدى الغزوات
قبل بدء الحرب: (لو أن الله كتب لكم الغنيمة لكان لكل واحد كيت وكيت، فقام
واحد من أصحابه وقال: يا رسول الله! ليس على هذا بايعناك، قال: على
ماذا؟ قال: على أن أرمى هاهنا - وأشار إلى حلقة - قال: إن صدقت الله صدقك. فنظروا
في القتلى فإذا سهم قد أصابه في حلقة).
فهؤلاء قوم صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى
نَحْبَهُ [الأحزاب:23]. لو أنك يا عبد الله قارنت نفسك بهؤلاء هل يكون جوابك ما
كان أولاً: أنني فعلاً أحب الله ورسوله؟ هل تبذل نفسك ومالك لله؟ بل هل
تقول: إنك مسلم، ولكل قول حقيقة وأمارة، فما حقيقة قولك وأمارته؟! هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة
من مكة إلى المدينة، أتى إلى بيت أبي بكر وأخبره بخبره، فقام أبو بكر ولم يتلعثم ولم يتردد، وجهز بعيرين وقال: (الصحبة.. الصحبة يا رسول
الله). وأخذ كل ماله، وأوهم أهله أنه قد وضع لهم في البيت مالاً، وإذا بها حجارة قد صرها، وكان أبوه ضريراً
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(يا أبا بكر
! ماذا تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم الله
ورسوله)، فهذا بذله للمال. وأما بذله للنفس: فلما انطلقوا من مكة متوجهين إلى
المدينة تبعهم سراقة بن جعشم يريد أن يقتلهم، وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا أحس بالخطر من الأمام سبق النبي صلى
الله عليه وسلم، وإذا أحس بالخطر من الخلف تأخر عنه ليحميه. انظروا
إلى الأدب، وإلى الحب الجمّ! فلما عرف أن الخطر أتى من جهة مكة تأخر خلف
النبي صلى الله وعليه وسلم وقال:
(يا رسول الله! إن سراقة كاد أن يلحقنا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لا تحزن
يا أبا بكر فإن الله معنا. حتى كان سراقة على قدر فرسخ أو فرسخين، فبكى أبو بكر ، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: ما يبكيك يا أبا بكر ؟ قال: والله لست على نفسي أبكي، وإنما عليك، فإن موتك موت لدين الله، أما أنا فعبد من عباد الله!). انظروا إلى الفهم
العميق، إلى الإيمان، إلى الحب الصادق النقي.
(نظر أبو بكر خلفه وإذا بـسراقة على بعد فرسخ واحد،
فقال: يا رسول الله! ادع الله لنا أن ينجينا من سراقة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اكفناه بما شئت. فساخت
فرسه إلى بطنها في الأرض).
أي: غرقت فرسه في الأرض إلى بطنها،
ثم جاء سراقة بنفسه إلى النبي صلى الله عليه وسلم واعتذر إليه مخافة
الغرق. وفي غزوة أحد لما انهزم المسلمون وانكشفوا؛ بسبب مخالفة
مجموعة منهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم، تسلل خالد بن الوليد وأتاهم من الخلف، وكان القوم قد انصرفوا لجمع الغنائم،
فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً،
فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(من لي بالقوم؟ فقال طلحة بن عبيد
الله : أنا يا رسول الله،
فقال: لا عليك يا طلحة، فقام آخر فقاتل حتى قتل، والثاني مثله حتى قتل أحد عشر
منهم، فقال: من لي بالقوم؟ فقال طلحة :
أنا يا رسول الله، فقام طلحة فقاتل قتال أصحابه أجمعين، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد
الله). وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا ذكر يوم أحد بكى، وقال: ذاك يوم طلحة، فلم يبل أحد بلاءه في تلك المعركة، وكان إذا صوب
المشركون سهامهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم تلقفها بيمينه وشماله حتى
أصابه سهم فقطع أصابعه، فقال: حس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا طلحة
! لو قلت: بسم الله لرفعتك الملائكة
والناس ينظرون). انظر إلى توجيه النبي عليه الصلاة والسلام
في أدق المسائل في أحلك المواقف. الدين كله واحد ليس فيه لباب ولا قشور. وهذا أبو طلحة
الأنصاري رضي الله عنه، كان
شديد النزع، فكان إذا ضرب بسهمه ما استطاع أحد أن ينزع ذلك السهم إلا أن يضع ما وقع فيه
السهم بين قدميه، ثم ينزعه بقوة، ولذلك كان القوم إذا مروا بالنبي صلى الله
عليه وسلم ومعهم الجعبة فيها السهام، قال:
(انثروها لـأبي طلحة فإنه نعم الرامي). وهذا أبو دجانة، وما أدراك ما أبو دجانة رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، كان يترس النبي صلى
الله عليه وسلم بجسده، وينحني عليه بظهره، حتى وقعت سهام المشركين
في ظهره، وكثرت فكانت ما بين السبعين إلى التسعين. من منا يحتمل سهماً
واحداً فداءً لرسول الله؟! انظر حتى نعلم أننا كذابون مدعون: (ليس الإيمان بالتمني،
ولكن الإيمان ما وقر في قلبك، وصدقته جوارحك).
هذا زيد بن الدثنة رضي الله عنه أخذه أبو سفيان قبل أن يسلم وعذبه، ثم لما غضب منه ونفذ صبره قال: يا زيد أنشدك الله! أتحب أنك بين أهلك معافى، ومحمد بين أيدينا
يعذب؟ فقال زيد:
والله لا أحب أن محمداً صلى الله
عليه وسلم مكانه يشاك بشوكة، وأنا بين أهلي ومالي! وهذا زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه يقول:
(بعثني النبي صلى الله
عليه وسلم لأنظر سعد بن الربيع في قتلى أحد، فطلبته كل مطلب حتى وجدته في القتلى، ولكنه
في الرمق الأخير، فقلت: يا سعد إن رسول الله يقرؤك السلام، ويقول لك: كيف تجدك؟ فقال سعد ثلاث كلمات ما زاد عليها، قال: وعلى رسول الله السلام،
وعليك السلام يا زيد ، أبلغ رسول الله عني أني أجد ريح الجنة، وأبلغ قومي من الأنصار
أنهم لا عذر لواحد منهم عند الله إذا خلص أحد من المشركين إليه -أي:
إلى رسول الله- وفيكم عرق ينبض).
انظر إلى هذه الكلمات الموجهة: (لا
عذر لكم عند الله عز وجل إذا قتل رسول الله). أما أمة
الخنافس، أمة الضياع، أمة الهلاك، ففي كل وقت وحين يسب ويطعن، بل يصور جسم
الخنزير ويكتب عليه محمد، والقلم في يد ذلك الخنزير يكتب به كتاباً
وعلى الصفحة المقابلة القرآن. فهل من الأمة من تحرك؟ مَن مِن الحكام تألم؟! الكل في
سكرات العمى، الكل في شهوات الظلام، فهل نحن نحبه بعد ذلك؟ أقل النماذج من
أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام هي في زماننا أساطير وخيالات، ولعلنا
نصدق أو لا نصدق. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.......
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق