الخميس، 4 أكتوبر 2012

مصر : بين الطائفية والإسلام السياسي

حسان كروم
تتجاور المصطلحات وتختلف تعريفاتها فبين الجماعة والأمة علاقات متقاربة لكنها تعريفات لأمور متداخلة في ذاتها؛ إذ إن الجماعة في أضيق تعريفاتها (من الناحية السوسيولوجية) هي مجموعة من الناس تربطهم علاقات دموية، دينية، أو لغوية، بينما الأمة في أبسط تعريفاتها هي: جماعة من الناس يرتبط أفرادها بروابط معينة مثل اللغة أو التاريخ أو الجنس من ناحية ، والمصالح المشتركة والغايات الواحدة من ناحية أخرى، وعند الربط بين هذين المفهومين بمفهوم المجتمع وتطوره وبنائه على أساس تفرد الفرد بشكل أكبر وبنية مؤسسات وتكوين علاقات أقوى، والتأسيس لمايسمى بالهوية، يتضح أنه كلماكان المجتمع قويا عكس هذا قوة الدولة على أنه لابد من التفرقة هنا بين الدولة ومؤسساتها وبين النظام.

قبل أوانه وربما بوقت طويل، بدأ الحديث مشوشا وضبابيا وموتورا في آن عن ضرورات مفترضة لإعادة هيكلة التشكيلات السياسية ونظيراتها العسكرية التي أعقبت إنطلاقة شرارة الثورة السورية المعاصرة في مشهد عنوانه الرئيسي التخبط والبحث عن موطئ قدم متوهمة في سورية الجديدة القادمة على جناح صرخات وجراحات الناس المدوية في الشارع السوري المطالبة باسقاط نظام استبدادي لم يعرف التاريخ البشري مثيلا لطغيانه، فمنذ البداية، أقسمت تلك التشكيلات يمين الطلاق بينها وبين مكونات الحراك الثوري الميداني، الذي يعود الفضل له وله وحده في هذه الانطلاقة المباركة والتي راحت أحزاب وتنظيمات وتجمعات ومجالس سورية معارضة تحاول قطف ثمار منجزها الثوري مبكرا بغير وجه حق بعيدا عن فهم حقيقة ما يجري من صراع وجود بين نظام أقسم على البقاء إلى الأبد أو تحرق البلد، وبين شعب أقسم على نيل حريته المسلوبة واستعادة كرامته المهانة عبر التخلص من عبودية دامت طويلا لنظام الطاغية.

هل قيل كل شيء عن حرب أكتوبر؟، أم أن هناك كلاما آخر لم يقل بعد، وأسرارا أخرى لم يكشف الستار عنها بعد؟ وهل بوسعنا أن نعرف أو أن نخمن ماذا كان يدور بذهن أنور السادات على وجه التحديد عندما اتخذ قراره التاريخي بالعبور إلى الضفة الشرقية لقناة السويس وتحطيم خط بارليف المنيع، وما هى مخططاته إذ ذاك للمرحلة القادمة إذا ما قدر للعبور أن يكلل بالنجاح (وقد كلل بالنجاح بالفعل بعون الله، وبفضل شجاعة المقاتل المصري)؟

شتان ما بين موقف عشيرة العبيدات الأردنية الأصيلة من إنتفاضتها العفوية لكرامة الأردن والأردنيين في رفضها الصريح والواضح لتدنيس تاريخها الوطني المشّرف بقبول أحد أبنائها سفيراً للكيان الصهيوني والتصريحات لوزير الخارجية الأردني ناصر جودة والذي صرحّ قبل أشهر عند عقده لقاءات الوساطة بين السلطة الفلسطينية والإسرائيليين في عمان أن الأردن ليس طرفاً بالنزاع العربي الإسرائيلي. فمثل هؤلاء المسؤولين الذين إتخذوا من التسلق الإجتماعي الرخيص مذهباً وسمسرة قيمنا الأردنية كوسيلة للتكسب والإستنفاع كانوا وما زالوا يشكلون خطراً سرطانياً على مصداقية وشفافية وجدية النظام الأردني بفتح صفحة جديدة للعهد تسودها قيم النزاهة والأمانة الوطنية في خدمة الأردن والإرتقاء به في ظل هذه الظروف الحساسة.

في زمن التغيرات والتحولات التي يشهدها العالم من الصعوبة بمكان التكهن بما يحمله المستقبل في جوفه إذا أخدنا في الاعتبار أن تحديد عوامل القوة في هكذا عالم والمرتبطة بعوامل متعددة مثل المنعة الاقتصادية، والقوة العسكرية، والتقدم العلمي، والوضع الثقافي.... ولكن ليس من المستحيل التكهن بان الروح الإنسانية سوف تنتصر في النهاية للسلام والتقدم والانسجام، وعلى أية حال وبالنظر إلى أوضاع العالم اليوم، فإن خير ما تفعله دولتا السودان إن تنطلقا في مفاوضاتهما بأديس أبابا على أساس إن العالم كله اليوم كما من قبل يعرف ثمة صراعا داميا شهده السودان ولكن لا يعرف إلى حد ما تفاصيل هذا الصراع والشياطين الكامنة فيه، والقوى الدولية التي عملت على تغذيته لذلك نقول إن الملفات المطروحة بينهما ساخنة جميعها بما يكفي فهي لا تحتاج إلى تسخين ولا إلى تباطؤ في التعاطي معها لجهة الوصول إلى حلها وهو ما بات واضحا ومتفق عليه من الجانبين ولا تبدو المسألة مجرد اختبار للنيات وإنما معيارا حقيقيا للإرادة السياسية على نطاق عمل تراكمت فيه صراعات وتحديات بعضها خرج إلى حيز الجدل والنقاش مثال على ذلك الملف الأمني والتعاون الاقتصادي المشترك، وبعضها الأخر لا يزال متواريا خلف المستجدات المتلاحقة مثل ملفي أبيي والحدود.

في ذكرى رحيلك في 28 سبتمبر 1970، ما أحوجنا إليك في ليالي أمتنا المظلمة نفتقدك أيها البدر، الذي أعاد للأمة العربية كبرياءها وكرامتها بعد حقبات طويلة من الاستعمار القديم والحديث. لم تكن رئيساً لمصر فقط وإنما زعيماً للأمة العربية، اتسع قلبك لأحلامها من المحيط إلى الخليج. استنفرت فيها طاقاتها المخبأة والكامنة وناضلت من أجل امتلاكها لثراوتها وزمام أمرها. كنت أيضاً عالمياً فاتسعت أحلامك لكل المناضلين والمقهورين في آسيا وإفريقيا وأمريكا الللاتينية. في زمنك كانت القاهرة محجاً لكل المناضلين من ارنستوتشي جيفارا إلى أحفاد باتريس لومومبا وأحمد بن بلة وكل قادة الثورة الجزائرية. سطع نجمك في الدول النامية فأسست مع نهرو وتيتو وبندرنايكة كتلة عدم الإنحياز، التي ابتدا تنظيمها في مؤتمر باندونغ عام 1955 واستمرت حتى اللحظة إلى طهران في عام 2012.احتضنت القضية الفلسطينية مبكرا وأنت الذي حاربت الصهاينة في الفالوجة، ونتيجة للخيانات بدأت التفكير في الثورة وفجرتها ورفاقك في 23 يوليو 1952.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق