الجمعة، 5 أكتوبر 2012

«الجهاديون» يخرجون من القمقم هديرهم في الشوارع يرعب الحكومات «الإخوانية» قبل الغرب






في حمّى التظاهرات الصاخبة التي شهدتها الدول الإسلامية ردّاً على الاساءات المتكرّرة للإسلام، ظهر «الجهاديون» كقوّة رئيسية لا سيّما في دول الربيع العربي، استعرضوا قوّتهم في الشارع، تحدّوا سلطة الحكومات الجديدة الناشئة بعد الثورات الشعبية، وبينها الحكومات «الإخوانية»، حاولوا فرض الدولة الدينية بالداخل.. من هم وكيف يعملون وما هو سرّ قوّتهم؟ وهل هم خطر عابر أم خطر داهم؟
* في غضون أسابيع قليلة تراجع النبض الثوري الديمقراطي الذي عمّ الشوارع العربية في العامين المنصرمين، ليحلّ محلّه الهدير الأهوج لتفلّت المتشدّدين من عقالهم.
مسلّحون يلوّحون بأعلام «القاعدة» في شوارع بنغازي، ولا يتوانون عن اقتحام السفارة الأميركية وقتل السفير بأبشع الطرق، بذريعة الردّ على الفيلم المسيء للإسلام. وإذا بالردّ الأهوج يسيء الى صورة المسلمين أكثر من الشريط المصوّر نفسه. كل الدلائل تشير الى أن هذا التنظيم وإخوته «الجهاديين» باتوا أصحاب كلمة في الشارع الليبي، يدمّرون مزارات الأولياء الصالحين في وضح النهار وأمام الملأ والعدسات. وبينما تنهمك الحكومة الليبية الجديدة في معالجة جبال المشكلات المتراكمة، من عهد الديكتاتور الراحل معمّر القذّافي، تجد نفسها في مواجهة هاجس لم تحسب له حساب، هو هاجس المتشدّدين الذين لا يهدّدون فقط السفارات الأجنبية والمصالح الغربية، بل بإرغام الناس على اتّباع عقيدتهم وسلوكهم المتطرّف بالاكراه العنفي والجسدي، وبفرض شروطهم على السلطة الناشئة لتوّها. قبل ذلك بأسابيع، استباح «الجهاديون» دماء الجنود المصريين في عزّ شهر الصيام في سيناء، ثم صاروا عنواناً للتظاهرات الهوجاء في الميادين، تاركين الرئيس «الإخواني» محمد مرسي، أمام المهمّة الصعبة المتمثّلة في الموازنة بين ميوله الأيديولوجية وواجبات منصبه كرئيس لجميع المصريين. أما في الجارة الأخرى تونس، فالشارع والجامعة والمسجد اليوم تحت وابل القصف العشوائي للسلفيّين الجهاديين، الذين يهدّدون بجرّ المجتمع التونسي الوسطي المتسامح الى فتنتين: فتنة طائفية لم يعرفها من قبل، وفتنة اجتماعية بين دينيّين وعلمانيين من شأنها أن تدمّر البلاد والعباد. فهؤلاء لا يتردّدون في استباحة الخطوط الحمر، والتحرّك من دون رقيب ومناكفة سلطة الدولة، حتى أنهم باتوا يشاركونها في احتكار «العنف الشرعي»، موظّفين إيّاه ضد المواطنين العزّل.
في الدول الثلاث، لم ينتظر هؤلاء كثيراً حتى لوّحوا بصنع طاغية جديد على غرار الطاغية الراحل. هكذا في مصر، وهكذا في تونس وليبيا. يعملون بلا كلل على إبدال «الدولة المدنية» بـ«الدولة الدينية»، والمحاكم العسكرية بمحاكم التفتيش، وضبّاط الاعلام بشرائع التكفير. ولعلّهم وجدوا في تظاهرات الاحتجاج على الاساءة الى المقدّسات فرصة لا تتكرّر لتصدّر الواجهة، وسحب البساط من تحت أرجل الجميع، ولا سيما منهم أولاد الكار ذاته «الإخوان». فالسباق صار بين سلفيّة معتدلة وسلفيّة متشدّدة، حتى بات بعضهم يترحّم على الأنظمة الأمنيّة الساقطة ويدافع عن مثيلاتها الباقيات.
وكان الناخبون الليبيّيون أقصوا في انتخابات 7 تموز (يوليو) الماضي لاختيار المؤتمر الوطني العام، التيار «السياسي» للسلفيّة الليبية ممثَّلاً بـ«حزب الوطن» (الذي كان عبد الحكيم بلحاج، الأمير السابق للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، أبرز أعضائه)، و«تجمّع الأمّة الوسط» الذي كان من بين مرشّحيه شخصيّات من «الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة»، مثل سامي السعدي وعبد الوهاب قايد، شقيق أبو يحيى الليبي، نائب تنظيم «القاعدة» الذي لقي مصرعه. ففي مؤشّر معبّر، فشل مرشّحو المجموعتين في الفوز ولو بمقعد واحد في البرلمان. وهكذا، فإن السلفيّين الجهاديين في ليبيا، الذين لا يملكون برنامجاً سياسياً مثل «حزب النور» في مصر، ولا يُفيدون من الانقسام الحادّ بين العلمانيين والإسلاميين، الذي أتاح للسلفيّين التونسيين تأدية دور المحرِّضين، يحاولون أن ينتزعوا مكاناً لهم متوسّلين العنف سبيلاً لتحقيق أهدافهم. وقد صبّوا جامّ غضبهم أخيراً على الإرث الصوفي الغني في البلاد (والذي يعتبره السلفيّون وثنياً). واقع الحال هو أن هذا العنف يشير في الجزء الأكبر منه إلى حركة تبحث عن قضيّة، ويسعون الآن خلف القضايا الخارجية التي يعتقدون بأنها سوف تؤجّج مشاعر الليبيين.

خطر على تونس

وفي تونس، بلغ خطر السلفيّين حدّاً دفع بزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي الى اعتبارهم خطراً على البلاد، ودعا الحكومة الى مواجهتهم بشدّة. وبدأ ظهور السلفيّين بشكل متفرّق وغامض بعد أسابيع قليلة بعد خلع زين العابدين بن علي، عندما حاول ملتحون إغلاق بعض الحانات بالقوّة. وقد عرفت البلاد في تلك الفترة، تراجعاً واضحاً للأجهزة الأمنيّة واضطراباً كبيراً في سدّة الحكم. وكان من نتائجه إطلاق جميع المُعتَقَلين في إطار قضايا «قانون مكافحة الارهاب» (قُدّر عددهم بأكثر من ألفي متّهم بالانتماء لـ«السلفيّة الجهاديّة»). وسُنّ «قانون العفو» من دون إجرائهم أيّة مراجعات نظريّة لمنهجهم العنفي، على عكس ما جرى في أقطار عربيّة أخرى، وتحديداً في مصر. ومع اندلاع الانتفاضات في هذه الأخيرة، وبعدها في ليبيا المجاورة، صار من الصعب مراقبة الحدود الغربيّة، بل وحتّى تلك الشرقية مع الجزائر. ويبدو أنّ تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي»، المتمركز عادة في الصحراء الجزائرية، رأى في ذلك فرصة لتحويل تونس الى ساحة «جهاد» جديدة؛ إذ تسلّلت مجموعة مسلّحة تابعة له في حزيران (يونيو) 2011، قبل أن ترصدها فرقة عسكريّة اشتبكت معها. فسّر الكثير من التونسيين ما جرى على أنّه «فزّاعة أمنيّة» ابتدعتها السلطات الجديدة للسيطرة على حالة الغليان الثوري. بدأ هذا الانطباع في التراجع نسبياً مع تتابع الأحداث التي كان «السلفيّون» طرفاً فيها، وكان من أبرزها الاحتجاجات العنيفة، عشيّة انتخابات المجلس التأسيسي، على بثّ قناة خاصّة فيلم المخرجة الإيرانية الأصل، مرجان ساترابي، الذي رأوا فيه «مسّاً بالذات الإلهيّة». وتواصَل الأمر بعد الانتخابات وفوز حركة النهضة، إذ اعتصم شبّان سلفيّون أسابيع طويلة في جامعة منّوبة، مطالبين بالسماح لطالبات منقبّات باجتياز الامتحانات.
وتتجدّد من حين الى آخر محاولات لإدخال السلاح عبر الحدود، تنتهي باشتباكات مع الأجهزة الأمنيّة، مثلما جرى في منطقة بئر علي بن خليفة في شباط (فبراير) الماضي.
وفي مصر لاحظت تقارير أمنيّة، أن الجماعات المسلّحة التي تعهّدت بالولاء لتنظيم «القاعدة»، التي تشنّ هجمات على قوّات الأمن في سيناء بشكل مستمرّ، باتت تتمتّع بسيطرة بلا منافس على حدود مصر وإسرائيل. فبعد إطاحة ثورة الشباب الليبيرالي نظام الرئيس حسني مبارك، خرج أكثر الإسلاميين تشدّداً لاستعراض قوّتهم، ليزيدوا في عدم الاستقرار لمصر، وسط الاضطرابات السياسية المتعدّدة قبيل الانتخابات الرئاسية. ويأمل المتشدّدون الإسلاميون داخل القاهرة في تحويل مصر إلى دولة دينية، لا سيما أن ظهورهم يأتي في الوقت الذي تعاني البلاد هشاشة الأمن.
وتشير التقارير الأمنيّة إلى تهريب آلاف الأسلحة، من بينها صواريخ ومدافع رشّاشة وقذائف صاروخية، من ليبيا إلى داخل مصر، هذا علاوة على هروب آلاف السجناء والارهابيين المدانين. «القاعدة» تكشف عن وجهها بأسماء مختلفة في دول الربيع، فيما تواصل غيهّا في العراق واليمن قتلاً وتفجيراً وزرعاً للخوف والدماء. في أسابيع قليلة بدا كما لو أن المتطرّفين خرجوا من القمقم لتدمير العالم. فهل من الممكن إعادتهم الى حجمهم الطبيعي في مجتمعات لا تزال تقاوم التطرّف وتتطلّع الى الديمقراطية، وإلى غد أفضل ومستقبل يضمن لها المكانة التي تستحق بين الشعوب >

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق