رئيس الحزب المصري الديمقراطي
الاجتماعي د. محمد أبو الغار:
تعيش مصر هذه الأيام، أجواء توحي ببدء حال من الفاشيّة الدينية، بزحف الإخوان المسلمين والسلفيّين والتكفيريين على السلطة في ظل رئيس إخواني، وعناصر الإسلام السياسي التي زحفت الى مواقع السلطة والاعلام والتشريع. وتقوم قيادات التيارات السياسية والأحزاب المدنية بنشاط ملحوظ لتدشين تحالفات وأحزاب تتجمّع، وتسعى للتوحّد والتساند لمواجهة هذا الزحف الخطر، وفي مقدّمة مهندسي هذه التحالفات يأتي الدكتور محمد أبو الغار، أستاذ الطب وقائد «حركة 9 مارس» المعارضة، وأحد حكماء «ثورة يناير» الذي انتخب مؤخّراً رئيساً للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، ويساند تحالف «التيار الشعبي» الذي دعا إليه حمدين صباحي مرشّح الرئاسة السابق. يقول الدكتور أبو الغار إن الإخوان انتهازيون. ويتطلّعون الى احتكار الدولة والسلطة وكل شيء فقط. وهم لا يختلفون عن نظام مبارك الذي سقط بإرادة الشعب. ويطالب الرئيس الإخواني الدكتور محمد مرسي بالخروج من عباءة الإخوان إذا أراد أن يحقّق النجاح.
> ما هي اتجاهات هذه التحالفات؟
< هناك أكثر من تحالف بين جبهات متعدّدة داخل الأحزاب المدنية، وأرجو التوفيق لأي تحالف مدني. وهناك نوع آخر من التحالفات مهمّ جدّاً، وهو التحالفات مع الحملات الشعبية للمرشّحين السابقين للرئاسة، ويجري التنسيق الآن بين مجموعة من الأحزاب المدنية وحملة حمدين صباحي، واتّفقنا على إيجاد طريقة مبتكرة لنساعده، فهو مرشّح جيّد للرئاسة المقبلة، ويساعدنا هو بحملته كإئتلاف في الانتخابات المقبلة، وإذا نجحنا في ذلك، سيتمّ الاعلان عن التحالف الجديد، وفتح الباب لباقي الأحزاب المؤمنة بالدولة الحديثة، سواء كانت تنتمي إلى اليمين أو اليسار للانضمام.
> وهل يتمّ ذلك عن طريق توحيد الأحزاب القائمة ودمجها؟
< إن محاولة اندماج الأحزاب شيء جيد، بشرط تأكّد إمكانية نجاحها، الأمر الذي يستوجب تقارب الأحزاب فكرياً وأيديولوجياً، وألا يتعرّض الاندماج للفشل، ويجب قبل الشروع في الاندماج أن تتمّ دراسة كاملة له، وأن يتمّ الاتفاق على كل التفاصيل حتى ترتفع نسبة نجاح الاندماج. إن بناء إئتلاف قوي متماسك بين قوى التيار المدني الواسع، هو أمر مصيري للحفاظ على هويّة مصر. إن مستقبل الديمقراطية والحرّيّات يواجه مخاطر، مع استمرار اعتقال المشاركين في الاعتصامات والتظاهرات، والتضييق التدريجي على أجهزة الاعلام، والسيطرة على الصحف القومية، ووقف تراخيص محطّات تلفزيونية، وإشاعة مناخ عام يقيّد حرّيّة الرأي وحرّيّة انتقاد الرئيس.
> لكن التحالفات المدنية كثرت، وهي ثلاثة تحالفات معلنة حتى الآن؟
< كلّها إرهاصات لتحالفات مدنية وليست تحالفات، لأن هيكلها لم يتّضح بعد، ومحتمل جدّاً انضمامها في تحالف واحد، لا نعرف كيف ستسير الأمور بعد، ومحتمل ألا تتمّ ويدخل كل واحد الانتخابات لوحده، ويمكن أن تكون كثرة التحالفات في مصلحة الأحزاب، بشرط التنسيق فيما بينها في الدوائر الانتخابية، فهذا مهمّ، فإذا كان تحالف «س» قوي في الجيزة وتحالف «ص» ضعيف فلا يمكنه الفوز بالمقعد، لكن ستضيع النسبة التي سيأخذها على التيار المدني، فمن الممكن أن يتنازل لمصلحة مرشّح التحالف المدني الآخر، ولكن سنضطر لمنافسة بعضنا بعضاً غصباً عنا في بعض الدوائر.
> الاندماج يقتضي وحدة فكرية، فهل يسري هذا على أحزاب مختلفة الأيديولوجيّات؟
< الإئتلافات أسهل في التطبيق، لأن من الممكن تفعيلها في الانتخابات فقط، وفي تلك الحالة ليس من الضروري أن تكون الأحزاب بالاتجاه الفكري نفسه، إلا أن المشكلة التي ستواجه الإئتلافات هي الصعوبة في اختيار المرشّحين لأحزاب عدّة، ولن يتجاوزوها إلا إذا تّم الاتفاق بدقّة على تفاصيل كيفية اختيار المرشّح على أن يكون ذلك الاتفاق موقّعاً مسبقاً. وعلى كل الأحوال، فالمساعي نحو التحالف والاندماج بين الأحزاب خطوة جيدة، وتعني اهتمام الأحزاب بالإئتلاف، بعكس ما تم في الانتخابات الماضية حيث لم تتمكّن من ذلك.
> فشل تجربة «الكتلة المصرية» التي كانت تضمّ أحزاباً عدّة، هل استفدتم من دروسه؟
< حتى ينجح أي تحالف مستقبلي، لا بد من أن يبنى على قواعد تحدّد كيفية اختيار المرشّحين للانتخابات يوقّع عليها الجميع، فالكتلة المصرية بدأت وفيها 11 حزباً وانتهت إلى ثلاثة، ولا نريد أن نصل إلى النتيجة نفسها، والمشكلة حصلت رغم أننا كنا متّفقين على كل شيء، وكل يوم اجتماع وسعداء جدّاً بالتحالف، وذلك حتى يوم فتح باب الترشّح للانتخابات، وحينها لم يتّفق أحد، حيث رأى كل واحد نفسه هو الأقوى، ولا بد من أن يوضع على رأس القائمة، فتوالت الانسحابات.
> لكن «التيار الشعبي» يتحفّظ على انضمام «المصريين الأحرار» إلى التحالف؟
< التحالف الجديد فيه تغيير جذري في الأفكار، فهو مبني من كل المصريين المؤمنين بالدولة المدنية، بغضّ النظر عن مواقفهم الاقتصادية. أهلاً وسهلاً بهم كلّهم، لأننا الآن في أزمة، وفيما بعد عبور هذه الأزمة، ويمكننا بعد عبورها أن نختلف ونتخانق على اليمين واليسار.
> وهل سيتم الاندماج بين حزبكم وحزب «الدستور» الذي يقوده الدكتور محمد البرادعي؟
< نتمنّى الاندماج مع أي حزب متشابه معنا، لأن الاندماج هو الحلّ الوحيد للأحزاب المدنية، وهناك اتفاقات وخطابات نوايا ونحن في الحزب مرحّبون، وهم في «الدستور» أيضاً مرحّبون، لكن تبقى تفاصيل الاندماج وطريقة عمله، وهل ينجح أم لا.. فلم تتمّ مناقشتها.
> وما هي أهم ضمانات النجاح لديكم؟
< نحن نؤمن بالدولة المدنية الحديثة، وبالنظام الديمقراطي الذي يتيح العدالة الاجتماعية؛ والديكتاتورية والشمولية الموجودة في الأحزاب الماركسية والإسلامية خطأ، فمثلاً ممنوع على أي عضو في الإخوان أن يفتح فمه أو يخالف قرارات الجماعة، فهم يعتمدون نظام الطاعة العمياء، وهذا ضد الديمقراطية.. وتكريس للديكتاتورية.
> ورغم هذا فاز الإخوان في انتخابات الرئاسة؟
< لأنهم لم يكونوا في السلطة، فعندما تكون وراء السلطة تلقى دائماً تعاطفاً، لكن وأنت في السلطة ستظهر على حقيقتك، وبالتأكيد شعبية الإخوان تراجعت من يوم انتخابات الشعب حتى الآن، وهو ما يثبته اختلاف نتائجهم في البرلمان عن الرئاسة وستتراجع أكثر، فبعد دخولهم البرلمان اتّضح أنهم ليسوا ملائكة، ولم يفعلوا شيئاً مما كانوا يعدون الناس به، والسمن والسكر الذي وزّعوه في الانتخابات اختفى، وسيظهر مرة أخرى قبل الانتخابات المقبلة بيومين ويختفي. والناس لاحظت أن كلاماً كثيراً جدّاً من الإخوان كان وهميّاً، مثلاً صدعوا دماغنا بأن القرض حرام والفائدة حرام، والآن فإن قرض صندوق النقد الدولي عندما أصبحوا في السلطة أصبح حلال الحلال! وعملوا مليون ضجّة على مسألة الحدود وتعديل اتّفاقية السلام، ولما وصلوا السلطة قالوا الكلام البراغماتي الصحّ، وهو أننا لا يصحّ في الوقت الحاضر أن ندخل حرباً مع إسرائيل أو نلغي اتفاقية السلام، ولن يستطيعوا أن يعودوا لهذا الكلام مرة أخرى في الانتخابات المقبلة، لأنهم انكشفوا.
> كل هذه التحالفات المدنية تتطلّع الى الانتخابات البرلمانية، فهل ستحقّق نسبة عالية كالتي تحقّقت في انتخابات الرئاسة؟
< لا أعتقد، لأن الانتخابات التشريعية ليس الناجح فيها هو فقط من يفكّر بطريقة معيّنة، إنما الذي لديه عصبيّة وفلوس، ويعرف كيف يخطّط ويزوّر ويزقّ ويملأ اللجان بالمندوبين، فهناك عوامل كثيرة أخرى تؤثّر في انتخابات البرلمان.
> الانتخابات البرلمانية المقبلة ستتمّ في ظلّ وجود رئيس إخواني، فهل يزيد وجوده فرص الإخوان في البرلمان؟
< أتوقّع أن يقلّ عدد الإخوان 10 أو 12% عن نسبتهم في البرلمان المنحلّ، ويقلّ السلفيون 15%، وأن تتوزّع هذه النسبة، وهي في حدود 30%، على المستقلّين والتيار المدني، فالأمور ستنضبط، وسيحدث توازن بين التيارين الإسلامي والمدني بنسبة 50 إلى 50.
> هل العمل بالنظام الانتخابي الفردي سيكون في مصلحة الإخوان؟
< لو عمل بالنظام الفردي في الانتخابات الماضية كانوا سيكسبون أكثر، لكن الفردي في الانتخابات المقبلة لن يجعلهم يفوزون في كثير من الدوائر، لأن دوائر القوائم واسعة جدّاً ومن الممكن أن تضمّ عشر مناطق، وهو ما يمكّنهم من الوجود القوي لقدرتهم على التمويل والتنظيم؛ لكن حين يتمّ تقسيمها إلى دوائر صغيرة، كما كان يحدث سابقاً، لا يمكن أن يضمن لهم في الظروف الحالية أن يحقّقوا نجاحاً كبيراً، وهذا يقوّي فرص الأحزاب المدنية التي يكون لها وجود متفاوت النسبة في المناطق المحدودة.
> وكيف ترى الى ما سيحدث في الانتخابات القادمة؟
< ربما لا يتاح إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة في إطار قانوني يسمح بالتعبير السلمي وتعبّر عن إرادة الشعب، مع استيلاء جماعة الإخوان المسلمين على مفاصل الدولة.
> كيف تنظر الى الرئيس مرسي، فهل أرضى طموحات المصريين؟
< لا طبعاً، لم يرض طموحات الشعب، لكني لا أظلمه لأن الوقت ضيّق ولم يتح له أن يفعل شيئاً، ولم ينجح في أن يرضي الجميع وأغضب أناساً كثيرين جدّاً، فكل التيارات غير الإسلامية غير سعيدة بالوضع الحالي، لأسباب كثيرة جدّاً على رأسها الخوف على الحرّيّات الخاصّة والعامّة، وهو ما بدأ فعلياً يحدث في الشارع، حيث يحدث تضييق على حرّيّة التعبير وسيطرة على الصحف القومية، وإذا وصل إلى الأدب والفن ستكون الكارثة كبيرة جدّاً.
> هو أعلن عن المئة يوم.. فماذا جرى؟
< أرى أنه تسرّع في حكاية المئة يوم، لأن الدنيا بقيت كما هي، ومقالب الزبالة باقية كما هي، ويمكن الحكم عليه بعد ثلاثة أو أربعة أشهر من الآن، لكن عليه أن ينفصل عن الإخوان، يجب أن يخرج من عباءة الإخوان ويكون رئيساً لكل المصريين، لكن لو استمرّ مكتب الارشاد هو الذي يحكم، سيكون سكرتيراً لمكتب الارشاد وليس رئيساً، وهو الآن لديه مستشارون ونواب، منهم ناس محترمون جدّاً، وعليه ضغوط معيّنة، لكن الظروف متاحة له أن يحكم كما يريد، ويقدر على الخروج من عباءة الإخوان ويناقشهم في الصح والخطأ، لكنه لو لم يخرج فإنه سينتهي.
> المجلس العسكري انتهى دوره السياسي، فهل سينتهي دوره الاقتصادي؟
< في رأيي أن الدور السياسي للمجلس العسكري انتهى من زمان، ودوره الاقتصادي سينتهي قريباً، لأن ما كان يحافظ عليه هو القوة العسكرية والدور السياسي، وإذا حدثت مشكلة في الاقتصاد، فمن المحتمل أن يأخدوا من فلوس الجيش وسهل ساعتها أن يحدث هذا، فالجيش المصري لديه شركات ضخمة في الانتاج والاقتصاد والصناعة والزراعة ومجالات كثيرة.
> وهل تعتقد أنه ستتمّ محاكمة قياداته السابقة؟
< أعتقد أن هناك تصعيداً كبيراً وشكاوى، والشباب داخل الأحزاب يضغط لأجل ذلك، وهناك احتمال إجراء محاكمة، لكن في تقديري أنه لن يحاكم أحد من قيادات المجلس العسكرى السابق.
> تّم الافراج الفوري عن معتقلي الجماعات الإسلامية، بينما يتمّ التسويف في الافراج عن معتقلي الثورة.. ما السبب في رأيك؟!
< لأن الحكومة خائفة من معتقلي الثورة، لكن الآخرين لا خطورة منهم على السلطة، وربما تكون الحكومة تجاملهم.
> لماذا لم يشارك الحزب في الوقفة التي دعا إليها الناشط اليساري كمال خليل، رغم اتّفاقكم مع أغلب المطالب؟
< لأنها تزامنت مع المؤتمر العام الأول للحزب، ولذلك لم نفكّر في المشاركة.
> هل هناك تناقض بين كونكم حزباً ليبيرالياً، وانضماكم إلى منظّمة الاشتراكية الدولية؟
< لا اختلاف بين الاثنين، لأن كلمة الاشتراكية في اللغة العربية قاصرة، واسمنا هو «الحزب الديمقراطي الاجتماعي»، وحين تترجم للإنكليزية تصبح مرادفة للحزب الديمقراطي الاجتماعي الفرنسي وحزب العمال البريطاني، ونتبنى الأيديولوجية نفسها، وهي المطالبة بالعدالة الاجتماعية مع وجود القطاع الخاص.
> ما هي أبرز المشاكل أمام الإخوان في الحكم؟
< أبرز المشاكل التي ستواجه حكم جماعة الإخوان هي قضايا الدعم، وضعف مجلس الوزراء، واتّخاذ قرارات كبرى سوف تؤثّر في شعبية الإخوان، وعدم الثقة في الجماعة بسبب أدائها السيّئ في البرلمان، وانفضاض القوى الثورية والشبابية عن الإخوان، وإعادة إحياء أجهزة الدولة القمعيّة، واستخدام الإخوان كقوّة فاشيّة في الشارع >
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق