الأربعاء، 26 سبتمبر 2012

حوار التوحيد مع رئيس جمعية أهل الحديث في لندن[1] أجرى الحوار/ جمال سعد حاتم



مع رجلٍ من أولئك الذين سخَّروا أنفسهم للدَّعوة في سبيل الله؛ ليحدِّثنا عن الإسلام والمسلمين في بريطانيا، والتي يَزيد فيها المسلمون عن مليونَيْ مسلم، من المفترض أن يَقوموا بدورٍ بارز في تحويل السِّياسة البريطانيَّة، وأن يكون لهم باعٌ طويل في صناعة القَرار، ولنتعرَّف على أحوال المسلمين، ومَشاكلهم ومُعاناتهم من خلال لقائنا مع الشيخ/ صهيب عبدالغفار، رئيس جمعية أهل الحديث بلندن، ورئيس منظَّمة العون الإسلاميِّ، وذلك من خلال الحوار التالي:
س: نرجو أن تُقدِّموا لنا بطاقة تعريفٍ عنكم وعن الأعمال التي تَقومون بها في لندن؟
ج: يقول الشَّيخ: اسمي صُهَيب حسن عبدالغفار، رئيس جمعية أهل الحديث بلندن، لي مؤلَّفات كثيرة، آخِرُها كتاب اسمه باللُّغة الإنجليزية (G A R N I E v I c oo L) أو (رِحْلة الرُّوح) الذي تحدَّثت فيه عن رحلة الرُّوح وما يدور حولَها من مسائل، وفي النِّية إصدارُ كتابٍ آخرَ هذا العام عن تربية الأولاد، وهذه إحدى القنوات التي أَنْطلق فيها، كما أنَّني أعمل رئيسًا لمنظَّمة العون الإسلامي، وهذه المؤسَّسة أقيمت عام 1985 م، ومؤسِّسها السيد يوسف إسلام، والَّذي كان عازفًا ومغنيًا عالَميًّا مشهورًا، ثم هَداه الله للإسلام، وهي مؤسَّسة تقوم بِجَمع أموال الزَّكاة والتبَرُّعات من مُسْلمي بريطانيا، ثم تقوم بإمداد المسلمين الفُقَراء في العالم كلِّه، وخاصَّة القارَّة الإفريقيَّة، وبعض دول آسيا، فعندما كانت الأَزْمة قائمةً في البوسنة، كنَّا نُساعدهم، وكذلك الشيشان وأفغانستان، وهي منظَّمة إنسانيَّة تقوم بتوجيه الخدمات الإنسانيَّة للمَنْكُوبِين والمهاجرين في العالَم الإسلامي، مثل بنجلاديش والصُّومال، ولها فروعٌ متعدِّدة في البلاد المنكوبة، والتي تحتاج إلى المُساعَدات.

وهناك قنَوات عديدة، فمثلاً نحن عِندنا جمعيَّة أهل الحديث بلندن، وهي نَشِطةٌ في إبراز تعاليم الكتاب الكريم والسُّنة بِفَهْم السَّلَف الصالح، ومقَرُّها مسجد التَّوحيد، وكان المسجد - وما زال - في بيتٍ قد تم تَحْويله إلى مسجدٍ منذ 12 عامًا، ولكن - والحمد لله - وفّقنا في الأَعْوام السَّابقة أن نَقوم ببناء مسجدٍ بِجَميع مَرافقه وبِناء مِئْذنته، ووفَّقنا الله لإِتْمامه في الأيَّام القليلة الماضية، وهذا المسجد - بإذن الله - سيَكون مركزًا للسلفيِّين بشمال لندن، ويكون مُنطلقًا لدعوتهم، وسوف يكون هناك العديد من الأنشطة مثل الدُّروس المنضَبِطة حول تَفْسير الحديث والمُصْطلَح إلى غير ذلك من الأنشطة؛ مثل: تعليم الأولاد الصِّغار مبادئ الدِّين الحنيف، وحلقات أسبوعيَّة للشَّباب وأخرى للشابَّات، وحلقات للإخوة المنحدرين من جنسِيَّات مختلفة، فمثلاً عندنا الصوماليُّون لهم حلقةٌ بِلُغَتِهم، وعندنا الإخوة المغاربة من المَغْرِب العربيِّ؛ كالجزائر، والمغرب لهم حلقةٌ كذلك في هذا المَسْجد، والحمد لله هذا المَسْجد ليس مسجدًا إقليميًّا، وإنَّما هو مسجد يَجْمع بين شتات مختلف المسلمين، فهذه قناةٌ أُخْرى للدَّعوة، ثُمَّ عندنا قناةٌ ثالثة وهي مجلس الشَّريعة الإسلاميَّة في لندن، الَّذي أعمل فيه كسكرتير لهذا المَجْلس، وهذا المَجْلس قد أنشأَ منذ حوالَيْ 12 عامًا تقريبًا، وهو يَجْمع بين العديد من المذاهب الإسلاميَّة الفقهية، ويُعالج قضايا النِّكاح والطَّلاق لدى المسلمات المقيمات في بريطانيا، سواءٌ كُنَّ من البريطانيَّات أم الجنسِيَّات الأخرى الذين توطَّنوا في هذه المَناطِق، وتعتبر الجاليةُ الباكستانيَّة والجالية الهنديَّة من أكبَرِ الجاليات هناك؛ ولذلك تجد أنَّ مُعْظم قضايا الطَّلاق إنَّما تأتي من قِبَل هذه الجالية، وإن كانت هناك قضايا من غَيْر العرب كالصوماليِّين تَرِدُ إلى هذا المَجْلس، فالمجلس صحَّح بالنسبة للمُسْلِمات معضلةً كنَّ يُعانينها، ألاَ وهي الحصول على الطَّلاق، إذا لم يَكُن هناك وِفاقٌ في زواجهنَّ، وكُنَّ يرجِعْن إلى المَحاكم البريطانيَّة؛ للحُصول على حكم بالطَّلاق المدني، أمَّا من أَجْل الحصول على الطَّلاق الإسلاميِّ فلم يَكُن هناك مكان، وبعد إنشاء هذا المَجْلِس أصبحَ هذا الأمر ميسَّرًا لهنَّ، والمَجْلس إنَّما يحاول دائمًا أن يُحقِّق هذه الشُّروط التي يجب أن توجد في قضية الخُلْع وهي خلع المَرْأة من زوجها، وإذا تحقَّقَت هذه الشُّروط يسَّرنا لها وثيقة الطَّلاق.

وقد وجَدْنا أنَّ قضايا الطَّلاق التي سجلت لدَيْنا خلال 12 عامًا قد تجاوزت 2000 قضيَّة إلى يومنا هذا.

وقد تَأْتينا بعض المَسائل الأُخْرى من غير الطَّلاق؛ كمَسائل الإرث مَثلاً، ومسائل من ناحية الأعمال المصرفيَّة الرِّبويَّة، ومسائل مثل النِّزاعات بين الأَشْخاص أو بين المُسْلِمين، سواء كانوا أفرادًا أم على مستوى الجمعِيَّات، والمَجْلس يؤدِّي خدمةً جيِّدة؛ لأنَّه يضمُّ عَناصر من مُختلِف الوظائف، فعندنا الرَّئيس مثلاً معروف هو الدكتور/ السيد متولي الدش، مصري، كان إمامًا للمركز الثقافي الإسلامي، وهو المسجد الجامع لمدينة لندن، ظل إمامًا هناك لفترة طويلة، ثم عمل كداعية، وهناك أئمَّة من مختلف المساجد في لندن.

س: ما هي الاخْتِصاصات المخوَّلة لِهذا المَجْلس؟
ج: يقول الشيخ صُهَيب: إنَّه كما قلت: إنَّ المَجْلس أُنشِئ أوَّلاً للنَّظر في قضايا المُسلِمين المختلفة، ولكن رأَيْنا أنَّ قضيَّة الطلاق أصبَحَتْ هي القضيَّة التي تفرض نفسَها على المجلس؛ لأنَّ النِّسوة عرفن أنَّ المَجْلس يُيسِّر لهنَّ هذه المسألة، فارتبطَ النَّاس بالمجلس، وأصبحت قضيَّة الطَّلاق والخلع من المسائل التي يرجع النَّاس إلى المجلس بِسبِبها، بالإضافة إلى القضايا الأخرى؛ مثل مسائل الإرث، ومسائل الأعمال المصرفيَّة، وهل هي جائزة أو غير جائزة؟ بالإضافة إلى مسألة ثبوت الهلال، وبداية الشُّهور العربيَّة ونهايتها، هذا بالإضافة إلى المسائل الدعويَّة الأخرى ومَجالاتها مفتوحة وكثيرة، وخاصَّة في المساجد، وكذلك في الكلِّيات والجامعات البريطانيَّة؛ لأنَّ كلَّ جامعة وكل كليَّة بريطانيَّة، لا بدَّ أن يكون فيها عددٌ مِن المسلمين من الطَّلبَة، ويكون للطلبة في كلِّ كليَّة جمعيَّة تسمَّى (جمعية الطلاَّب المسلمين)، وهذه الكليات أستطيع أن أقول: إنَّها أخصَبُ مكانٍ لإبلاغ الدَّعوة لكلِّ المسلمين؛ لأنَّ الجمعيات الإسلاميَّة تعقد ندواتٍ ومُحاضَرات من وقتٍ لآخَر، وتَدْعو إليها شخصيَّاتٍ من المسلمين لإلقاء المُحاضَرات وللمشاركة في النَّدوات، وتُوَجِّه الدَّعوة إلى غير المسلمين من الطَّلبة والطالبات أيضًا، فإذا كانَتْ هناك مُحاضَرةٌ مَثلاً في الكليَّة يحضرها عددٌ مِن المسلمين، وأيضًا من غير المُسلِمين، ونَسْتطيع أن نُخاطبهم عن طريق هذه القناة؛ لأنَّه عادة إذا كان الكلامُ في المسجد فإنَّه لا يُخاطب غير المُسْلِمين، أمَّا إذا كان الكلامُ في المُحاضَرة تلقى على مُدرَّج الجامعة أو على مدرَّج الكليَّة، فيَسْتمع إليها المُسلِم وغير المسلم، ويكون فرصةً لِتَعريف الإسلام لغير المسلمين، فهذه القَناة موجودةٌ بِكَثرة - والحمد لله - لأنَّ الجامعات في بريطانيا كثيرةٌ جدًّا، فكلُّ مدينةٍ تَقْريبًا فيها جامعة، وإذا لَم يَكُن جامعة ففيها كليَّة أو معهد، حيثُ يدرس فيها المسلمون وغيرُ المسلمين أيضًا - والحَمْد لله - الدَّعوة عن طريق الجامعات منتشِرة، وكذلك الإِخْوة المسلمون الآن عندهم أنشِطَة من ناحيةِ إصدار المجلاَّت والجرائد، وهناك عددٌ مِن الجرائد تَصْدر كلُّها باللغة الإنجليزيَّة، وتدعو إلى الإسلام.

ومن ناحية اللُّغة العربية أستطيع أن أقول: إنَّ هناك مجلَّة طيِّبة بدأت تَصْدر من فترة قريبة من مانشيستر، واسمها "الهدي النبوي"، وهي مجلَّة تنهج منهجًا معتدلاً فلا تَحِيد عن الكتاب والسُّنة، وكل الأفكار تُطرَح في ضوئهما.

والمجلَّة لا تزال في بدايتها، ونرجو لها التوفيق والانتشار - بإذن الله - حتَّى تستطيع أن تكون كافيةً وشافية للمسلمين.

س: فضيلة الشيخ صهيب - جزاكم الله خيرًا - كَمْ يبلغ تَعداد المسلمين في بريطانيا؟ وما هو الدَّور الفعَّال لِمُشارَكات المسلمين في الوضع السِّياسي واتِّخاذ القرارات؟ وخاصة في ضوء الانتخابات التي تشارك فيها الجاليات المسلمة هناك؟
مسجدٌ يُقام في كل شهر:
ج: يقول الشيخ: إنَّ المسلمين يُقدَّر عددهم بمليوني مسلم في بريطانيا كلِّها، وأكبر الجاليات المسلمة هي الجالية الباكستانيَّة، ثم الجالية الهنديَّة، ثم الجالية البنغاليَّة، وباختصارٍ فإنَّ الجاليات المنحَدِرة من شِبْه (القارَّة الهنديَّة) الباكستانية الهندية هي الغالبة في بريطانيا، ثم يأتي بعد ذلك الإخوة من الأَتْراك، ثم الإخوة العرَب من الجزائر والمغرب، ثم الإخوة الصوماليُّون الذين وفدوا إلينا بالآلاف، وخاصَّة بعد الأزمة الصوماليَّة.

وهذا عنصرٌ جَديد بدأ يُوجد في بريطانيا - والحمد لله - بدَأَت المساجد تنتشر في بريطانيا حتى إنَّ الصُّحف الإنجليزيَّة تكتب في صدر صفحاتها تقول: إنَّ هناك مسجدًا يُقام في كلِّ شهر في بريطانيا، حتَّى بلغ عدَدُ المساجد التي تم حصرها أكثرَ من ألف مسجد في بريطانيا كلِّها، منها المساجد التي بُنِيَت على طراز المسجد الجامع بِجَميع مَرافقه ومآذنه كمَسْجِدنا نحن مسجد التَّوحيد في لندن.

وهناك مساجِدُ قد حُوِّلت عن المباني الموجودة عليها سابقًا، فإمَّا كانت كنائس، أو مصانع، وتم تحويلها وتعديلها حتَّى أصبحت مساجد.

وهناك مساجد وزوايا لا تَزال صغيرةً في بُيوت بدون أن يَتِمَّ تَحْويلها لشكل المَبْنَى حتَّى يأخذ شَكْل المسجد من الخارج، ومع ذلك تُقام فيه الشَّعائر، وتُؤَدَّى فيه الصَّلوات.

المدارس الإسلامية في بريطانيا:
ويُواصل الشَّيخ صهيب حديثَه الشائق عن الإسلام والمسلمين في بريطانيا، قائلاً: إنَّ الجاليات الإسلامية في بريطانيا قد أقامت دُورًا للعلوم، وهي المدارس التي تعلِّم الناس هناك تعاليم الشريعة الصحيحة، ولكن لأنَّ هذه المدارس قد أنشأها الهنودُ والباكستانيُّون، فلذلك لا تزال مناهجها المناهِجَ التي تدرس في الهند والباكستان، ولم يُجدِّدوا في هذه المناهج، إنَّما أخذوا الطريق القويم لتعليم العلوم الشرعيَّة، وكذلك اللغة العربيَّة، فلها فائدة بلا شك.

ويكفي أنَّها تُخرج حُفَّاظًا للقرآن الكريم يُغطون حاجة المساجد، ويَؤمُّون النَّاس في صلاة التَّراويح في شهر رمَضان، وكذلك في غير رمَضان، ولكن ينقصهم الاطِّلاع على متطلَّبات العصر وحاجاته، وليس لهم عُمْق في الدِّراسة، وليس لهم دراية كافية وقويَّة باللُّغة العربية.

لذلك؛ فهم يقصِّرون في القيام بالعمل الدعويِّ على الوجه الأكمل، وإن كانَتْ تلك المدارس التي نتحدَّث عنها أصبحَتْ كثيرة، وكذلك مدارس للبنات خاصَّة في المرحلة الثانويَّة؛ لأنَّ التعليم في المرحلة الثانويَّة مسألةٌ في غاية الأهَمِّية للبنات والأولاد في هذه السِّن، وفي تلك المرحلة، والبنت تكون في تلك السنِّ معرَّضةً للخوض في خيارَيْن؛ فإمَّا أن تذهب البنتُ إلى مَدْرسة خاصَّة يكون فيها الاختِلاطُ بين الأولاد والبنات، أو أن يقوم المُسْلِمون ببناء مدارس خاصَّة بالبنات، وهذا ما بدأَ المسلمون يَفْعَلونه في الأيَّام الأخيرة، حيث أُنْشِئت عدَّة مدارس من هذا النَّوع.

المسلمون وصنع القرار:
وعن الدَّور الذي يَلْعبه المُسلِمون في السِّياسة نستطيع أن نَقول: إنَّ هذا الدَّور لا يزال ضعيفًا، ولا يزال بالمستوى الأَدْنَى، والذي هو دون المطلوب، وعلى العُموم فقد بدأ المسلمون الآن يُشاركون في انتِخابات المَجالس المَحلِّية المدنيَّة، فكلُّ مدينةٍ لَها مجلس مَحلِّي مدني، وهو الَّذي يُسيطِر على الأمور المدنيَّة في هذا البلد، من إنارة وكهرباء وتخطيط الشَّوارع، والصحَّة والتعليم والضرائب، وكل هذه الأمور من اختصاصات المجالس المحليَّة المدنية، وقد بدأ المسلمون يُشاركون في تلك المَجالس، وأصبح هناك أعضاءٌ مِن المسلمين في المجالس المحليَّة في مدينة لندن وبرمنجهام، وبلادفورد، وكذلك المدن الأخرى في معظم بريطانيا، وقد تم اختيارُ رؤساء لبعض تلك المَجالس من المسلمين والتي تُسَمَّى بالمجلس البلدي، وهو المحافظ لتلك المدينة، وينتخب لسنةٍ واحدة، ويتمُّ استبداله بشخصٍ آخَر، وكان هناك حوالي أربعة من المُحافِظين الَّذين تَمَّ اختِيارهم لبعض المدن، من المسلمين، ومثل هذه المشاركات في المجالس المحليَّة تسهِّل الكثير من الأمور، فمثلاً عندما أرَدْنا أن نقيم هذا المسجد في حيٍّ من أحياء مَدينة لندن، قابلنا مشاكل من قِبَلِ الجيران من الإنجليز في حيِّ (ليتون)، والَّذين قالوا: إنَّ وجود هذا المسجد سيُساعد على الشَّغْب، وعلى كثرة السيَّارات في المنطقة، وعدم إعطاء الفُرْصة لأهالي المنطقة؛ لكي يَجِدوا أماكِنَ شاغرةً لسيَّاراتِهم؛ ولذلك انتَقَدوا هذا المسجدَ كثيرًا وقد ناقَشْناهم وتحدَّثْنا عن وِجْهة نظَرِنا في ذلك، وأكَّدْنا عدم وجود شغْبٍ في المسجد، وأخبَرْناهم أنَّ عليهم أن يَزوروا المسجد في أيِّ وقت من الأوقات، ولن يجدوا سوى المُصَلِّين والمتعبِّدين وقُرَّاء القرآن، والَّذين لا يَخْرج صوتُهم خارج المسجد، وأكَّدْنا لهم أنَّنا نحن السلفيِّين ليست عندنا مسيرات، كالَّتي تخرج في المناسبات، وفي الموالد، ومسيرات الشِّيعة، بل إنَّنا دائمًا تكون مجالسنا في داخل المسجد بدون أيِّ تشويش أو شَغْب؛ لأنَّهم رأَوْا من بعض المسلمين الآخَرين مثل هذه المسيرات التي تَزْدحِم بها الشَّوارع في بعض المناسبات؛ كربيع الأوَّل، ويصعب عليهم عبورُ تلك الشَّوارع بسيَّاراتهم، فبَدؤوا يتذمَّرون، فقلنا لهم: إنَّ هذه الأشياء لا توجد في هذا المسجد إطلاقًا، وأخيرًا أذعنوا لما قلنا، وساعَدْنا بعض أعضاء المجالس البلديَّة من المسلمين في الحُصول على الرُّخصة لبناء المسجد، إلى أن شرَعْنا في البناء من حوالي ثلاث سنوات، وهو - والحمد لله - قد أوشَكَ على الانتهاء.

لا يوجد عضوٌ واحد من المسلمين في البرلمان:
ويواصل الشيخ صهيب حديثه قائلاً: إنَّ مشاركة المسلمين هناك قد تركَّزَت في مثل هذه المشاركات في المَجالس المحليَّة، أمَّا على مستوى البلد بشكلٍ عام، فالمسلمون مقصِّرون في ذلك، فلا يوجد عضوٌ واحد من المسلمين في البَرْلمان البريطاني، والذي يُسَمَّى (مجلس العموم)، مع أنَّ عدد المسلمين يزيد على المليونين في بريطانيا، وكان من المفروض أن يكون هناك على الأقلِّ عشرة أشخاص من المسلمين في مجلس العموم، ولكن للأسف لم يَحْدث هذا، والسبب في ذلك يرجع لعدم الأُلْفة والتَّكاتُف بين المسلمين هناك، وأوضَحُ مثالٍ على ذلك أنَّ هناك أكثرَ مِن شخص قد رشَّحُوا أنفسهم لعضويَّة مجلس العموم في بريطانيا من المسلمين في مدينة برمنجهام، وبدلاً من أن يتَّفِقوا ويتماسكوا ويتنازلوا لصالح شخصٍ واحد منهم، حدث العكس، على الرغم من أنَّه لا يوجد سوى شخص إنجليزي واحد من غير المسلمين هو الَّذي رشَّح نفسه أمامهم، ومن المفروض أن يفوز أحد المسلمين بسهولة، نظرًا لكثرة تعداد المسلمين الموجودين في تلك المنطقة، وبسبب تلك الصِّراعات الداخليَّة بينهم، وإصرار كلٍّ منهم على أن يستمرَّ في ترشيح نفسه، ينجح الإنجليزيُّ الوحيد، وهم يُفتِّتون الأصوات لصالحه، وهذا الذي حدث في كثيرٍ من المدن التي كان من السَّهل أن ينجح فيها أحَدُ المسلمين، وإنَّ هذا الأمر يعدُّ دلالة قاطعة على أنَّ فُرْقة المسلمين - هناك - تَجْعلهم في ضعفٍ وفي هوان، وأنَّ هذا الأمر يحتاج إلى توحيدٍ للصُّفوف، والذي هو مِن أصعب الأشياء لدى المسلمين هناك، فبرغم أنهم يتوفر فيهم السخاء والكرم، فإنَّهم - وللأسف الشديد - تُفرِّقهم العصبيَّات القبلية، وتفرقهم النِّزاعات المذهبيَّة، وتفرقهم الأهواء الشخصيَّة، وهذه من الأسباب التي أصبحَتْ تقف حائلاً، بل أقول: سَدًّا منيعًا دون توحيد صفوفهم.

ومع ذلك؛ فالأمل لا يزال موجودًا، وهناك مُحاوَلة من أكثرَ مِن سنتين لإقامة مجلسٍ إسلامي باسم مجلس المسلمين البريطاني، والذي يتمثَّل فيه كلُّ الطوائف الإسلاميَّة هناك؛ حتَّى يكون هذا المجلسُ بِمَثابة الصَّوت الواحد للمسلمين لدى الحكومة البريطانيَّة، والأمل كبير في هذا المجلس، والذي يمثِّل المسلمين تمثيلاً شاملاً من كلِّ الأحزاب والفئات والجاليات المختلفة، وبإذن الله سوف يكون هذا المجلس ممثلاً حقيقيًّا لكلِّ مسلمي بريطانيا، وسوف يعلن عنه قريبًا، ونرجو من وراء هذا المجلسِ كلَّ الخير، وخاصَّة في الأمور التي تتعلق بالسياسة، أمَّا الأمور التي تتعلق بالمظهر وبالآراء المذهبيَّة، فهذا المجال دائمًا مفتوح، ودائمًا يكون فيه الأَخْذ والردُّ، وهذا شيءٌ آخَر لا نريد أن نَخوض فيه.

تشارلز، وتصريحاته عن الإسلام:
س: فضيلة الشيخ صهيب؛ بعض التَّصريحات الأخيرة للأمير تشارلز - وَلِي عهد بريطانيا - والتي تتحدَّث بصورةٍ طيِّبة عن الإسلام، وأنَّه ليس هو العدُوَّ الأوحد بعد انهيار الشُّيوعية، هل كان لمثل هذه التَّصريحات أثَرٌ بالنِّسبة للمسلمين، أو بالنسبة لكم كمسلمين تعيشون في بريطانيا؟
ج: يقول الشيخ: هذه التصريحات التي صدرَتْ عن الأمير تشارلز، بعض الناس تحدَّثوا عن نواياه، وقالوا: إن الأمير تشارلز قد أدلى بتلك التصريحات الواضحة الجليَّة عن الإسلام قبل قيامه برحلةٍ إلى بعض دول الخليج، فكأنَّه يُريد لنفسه مكسبًا؛ وخاصة المكاسب الاقتصادية الطيِّبة عندما يذهب إلى هذه البلاد بعد مثل هذه التصريحات، فأرادوا أن يَرْبِطوا هذه التصريحات بِمَصالح بريطانيا الاقتصاديَّة في البلاد الإسلاميَّة، وقد قيل هذا الشيء في بعض البلاد الإسلاميَّة ردًّا على تلك التصريحات الحسَنةِ تجاه الإسلام.

والذي أقوله: إذا كان هذا هو المَقْصد من تلك التصريحات أوْ كان هناك مقصدٌ آخَر، فيَجِب أن نفهم أنَّ ملك بريطانيا المقبِل الذي هو تشارلز، والذي ما زال وليًّا للعهد، مثل هذا الشخص يعتبر حامي الكنيسة الإنجليكانيَّة في بريطانيا، هذا الشخص عندما يُدْلِي بمِثْل هذه التصريحات الحسنة عن الإسلام، فهذا كسبٌ كبير للإسلام والمسلمين، والرجل عنده عواطف طيبة تجاه المسلمين، وكذلك أفكاره عن الإسلام أفكار جيِّدة، والصُّورة المنطبعة في ذهنه صورة مشرِّفة للإسلام والمسلمين، وإن كانت هذه الصُّورة فيها شيءٌ من الليبراليَّة، والتحرُّر، لكن يجب أن ننظر إلى أنها تأتي من شخصٍ غير مسلم، فإذا تحدث عن الإسلام وفضائله، وأن الإسلام يجمع الأسرة ويلم الشمل، وأن المجتمع الغربِيَّ يستطيع أن يفهم الكثير، خاصة في مسائل الأُسْرة من المسلمين، كل ذلك تصريحاتٌ جيِّدة، لو قالها شخص مسلم ما استمع أحَدٌ إليها، وما كانت لها ضجة مثل ما حدث، أمَّا وقد جاءت من شخص غير مسلم، وفي نفس الوقت أمير وولي عهد للمملكة المتحدة، فأصبحت الآذانُ تتشَوَّق إليه وتنشر في كل جريدة صغيرةٍ أو كبيرة، حتى بلغت الآفاق، وكل ذلك يسمعه الشعب الإنجليزي، وذلك كلُّه مكسب كبير للإسلام والمسلمين.

ولولا أنَّ هناك عناصِرَ تشويهٍ للإسلام لبَقِي المُسْلِمون في أحسن حالٍ وأفضل وَضْع في بريطانيا، التي يُقيمون فيها، ومن المفترض أن يَكونوا هم أداةً للدَّعوة إلى الإسلام هناك، وعلى كلِّ حال يَجِب على المسلمين أن يَسْتفيدوا من مثل هذه التَّصريحات؛ حتَّى ينشروا الكلمة الطيِّبة عن الإسلام؛ إمَّا قولاً أو كتابةً في الإذاعات والصُّحف.


[1] نشر بمجلة التوحيد المصرية، عدد رمضان 1418هـ، صفحة 32.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق