الأحد، 16 سبتمبر 2012

رد الأحاديث الصحيحة بدعوى مخالفة القرآن منهج المبتدعة والزنادقة



رد الأحاديث الصحيحة بدعوى مخالفة القرآن منهج المبتدعة والزنادقة
قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله:
1220 - « اختلف العلماء في الرأي المقصود إليه بالذم والعيب في هذه الآثار المذكورة في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضي الله عنهم، وعن التابعين لهم بإحسان فقالت طائفة : الرأي المذموم هو البدع المخالفة للسنن في الاعتقاد كرأي جهم وسائر مذاهب أهل الكلام ؛ لأنهم قوم استعملوا قياسهم وآراءهم في رد الأحاديث فقالوا : لا يجوز أن يرى الله عز وجل في القيامة ؛ لأنه تعالى يقول : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار فردوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : » إنكم ترون ربكم يوم القيامة « وتأولوا في قول الله عز وجل : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) تأويلا لا يعرفه أهل اللسان ولا أهل الأثر، وقالوا : لا يجوز أن يسأل الميت في قبره لقول الله عز وجل أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) فردوا الأحاديث المتواترة في عذاب القبر وفتنته وردوا الأحاديث في الشفاعة على تواترها، وقالوا : لن يخرج من النار من فيها، وقالوا : لا نعرف حوضا ولا ميزانا، ولا نعقل ما هذا وردوا السنن في ذلك كله برأيهم وقياسهم إلى أشياء يطول ذكرها من كلامهم في صفات الباري تبارك وتعالى" [ص 368].
وقال في موضع آخر:
 « ليس أحد من علماء الأمة يثبت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرده دون ادعاء نسخ ذلك بأثر مثله أو بإجماع أو بعمل يجب على أصله الانقياد إليه أو طعن في سنده، ولو فعل ذلك أحد سقطت عدالته فضلا عن أن يتخذ إماما ولزمه اسم الفسق " [ص 380].
وقال في موضع آخر:
باب فيمن تأول القرآن وتدبره وهو جاهل بالسنة قال أبو عمر : « أهل البدع أجمع أضربوا عن السنة وتأولوا الكتاب على غير ما بينت السنة، فضلوا وأضلوا، ونعوذ بالله من الخذلان ونسأله التوفيق والعصمة برحمته، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم التحذير عن ذلك في غير ما أثر » [ص 431].
وقال الشاطبي وهو يصف منهج المبتدعة :
(ومنها ردهم للأحاديث التي جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم ويدعون أنها مخالفة للمعقول وغير جارية على مقتضى الدليل فيجب ردها، كالمنكرين لعذاب القبر والصراط والميزان ورؤية الله عز وجل في الآخرة وكذلك حديث الذباب وقتله وأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء وأنه يقدم الذي فيه الداء، وحديث الذي أخذ أخاه بطنه فأمره النبي صلي الله عليه وسلم بسقيه العسل، وما أشبه ذلك من الأحاديث الصحيحة المنقولة نقل العدول " إلي أن قال : " وقد جعلوا القول بإثبات الصراط والميزان والحوض قولا بما لا يعقل،
وقد سئل بعضهم هل يكفر من قال برؤية الباري عز وجل في الآخرة؟ فقال : لا يكفر، لأنه قال مالا يعقل، ومن قال مالا يعقل فليس بكافر !!
وذهبت طائفة أخرى إلى نفي أخبار الآحاد جملة والاقتصار على ما استحسنته عقولهم في فهم القرآن) [الاعتصام ج 1 ص 168].
وقال : " ومنه دعاوي أهل البدع على الأحاديث الصحيحة مناقضتها للقرآن أو مناقضة بعضها بعضا وفساد معانيها أو مخالفتها للعقول كما حكموا بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم للمتحاكمين :
(لأقضين بينكما بكتاب الله أما الوليدة والغنم فرد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام وأما أنت يا أنيس لرجل فاغد على امرأة هذا فارجمها فغدا عليها أنيس فرجمها).
قالوا هذا مخالف لكتاب الله لأنه قضى بالرجم والتغريب وليس للرجم ولا للتغريب في كتاب الله ذكر، فإن كان الحديث باطلا فهو ما أردنا وإن كان حقا فقد ناقض كتاب الله بزيادة الرجم والتغريب، ، فهذا اتباع للمتشابه لأن الكتاب في كلام العرب يصرف على وجوه منها الحكم والفرض .." [الاعتصام ج1 ص 179].
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية :
(وأهل البدع إنما دخل عليهم الداخل لأنهم أعرضوا عن هذه الطريق وصاروا يبنون دين الإسلام على مقدمات يظنون صحتها . إما في دلالة الألفاظ . وإما في المعاني المعقولة. ولا يتأملون بيان الله ورسوله وكل مقدمات تخالف بيان الله ورسوله فإنها تكون ضلالا ولهذا تكلم أحمد في رسالته المعروفة في الرد على من يتمسك بما يظهر له من القرآن من غير استدلال ببيان الرسول والصحابة والتابعين ؛ وكذلك ذكر في رسالته إلى أبي عبد الرحمن الجرجاني في الرد على المرجئة وهذه طريقة سائر أئمة المسلمين . لا يعدلون عن بيان الرسول إذا وجدوا إلى ذلك سبيلا ؛ ومن عدل عن سبيلهم وقع في البدع التي مضمونها أنه يقول على الله ورسوله ما لا يعلم أو غير الحق وهذا مما حرمه الله ورسوله . وقال تعالى في الشيطان : { إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } وقال تعالى : { ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق} وهذا من تفسير القرآن بالرأي الذي جاء فيه الحديث : { من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار }) [مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 2 / ص 122)].
فبان من خلال ما نقلنا أن السنة مبينة لكتاب الله وأن إلغاء السنة الثابتة بدعوى معارضتها للقرآن هو دأب طوائف المبتدعة، التي تبحث دائما عن مدخل تبرر به مذهبها وإن كلفها ذلك رد صريح الوحي .
المقدمة الخامسة
ما نقل عن إبراهيم النخعي من القول بعدم وجوب قتل المرتد مكذوب عليه
ينبغي أن يعلم أولاً أن نسبة هذا القول إلى إبراهيم النخعي أو إلى غيره من العلماء لا تقدم ولا تؤخر مادام الأمر ثابتا في السنة وانعقد عليه إجماع الأمة من عصر الصحابة، فيردّ قوله في هذه المسألة لمخالفته الأدلة الصحيحة ومازال العلماء يردون كل قول خالف نصا أو إجماعا ويحذرون منه، ومنهج الاستدلال السليم يقتضي أن تكون العبرة بالدليل لا بالقائل وقد قال مالك : ما منا إلا راد ومردود عليه، إلا صاحب هذا القبر يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وأقوال العلماء يستدل لها ولا يستدل بها، فإن وجدنا لها دليلا قبلناها وإن لم نجد ألغيناها.
وإذا لم نردّ أقوال العلماء لمخالفتها الكتاب والسنة والإجماع فمتى سنردها ؟
وليس من الدين في شيء ترك أقوال النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة الواضحة من أجل قول أحد من العلماء .
ومن حسن الظن بالعلماء وخاصة التابعين الذين هم من أهل القرون الثلاثة التي زكاها النبي صلى الله عليه وسلم ألا ننسب إليهم قولا يخالف الأدلة الثابتة من كتاب وسنة وإجماع إلا بعد ثبوته عنهم بالأسانيد الصحيحة ثم إذا ثبت ذلك عنهم تأولنا لهم في ذلك التأويل اللائق بهم ولا نترك الأدلة الصحيحة من أجل قولهم.
ونريد الآن أن نبحث في هذا القول الذي نسب إلى النخعي ونتحقق من صحة نسبته إليه فنقول وبالله التوفيق:
 أما الزعم بأن إبراهيم النخعي لا يقول بقتل المرتد فهذا يكذبه ما نقل عنه من القول بقتل المرتدة فقد بوب البخاري :
 ( باب حكم المرتد والمرتدة وقال ابن عمر والزهري وإبراهيم: تقتل المرتدة) والمذكور في التبويب هو إبراهيم النخعي كما ذكر ذلك ابن حجر، ثم ذكر ابن حجر الروايات التي تؤكد نسبة هذا القول إلى إبراهيم النخعي فقال :
(وأما قول الزهري وإبراهيم فوصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في المرأة تكفر بعد إسلامها قال: تستتاب فإن تابت وإلا قتلت، وعن معمر عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم مثله،
 وأخرجه ابن أبي شيبة من وجه آخر عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم،
وأخرج سعيد بن منصور عن هشيم عن عبيدة بن مغيث عن إبراهيم قال: إذا ارتد الرجل أو المرأة عن الإسلام استتيبا فإن تابا تركا وإن أبيا قتلا)
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف :
(حدثنا عبد الله بن إدريس عن هشام عن الحسن قال في المرتدة : تستتاب، فإن تابت وإلا قتلت.
حدثنا حفص عن عبيدة عن أبراهيم قال : تقتل).
وإذا كان النخعي يقول بقتل المرتدة - وهي التي اختلف العلماء في وجوب قتلها - فمعنى ذلك أنه من أشد الناس تشديدا في هذا الباب .
وما زال العلماء يذكرون عن النخعي تشديده في هذا الباب ويعدونه من القائلين بقتل المرتدة ومن أمثلة ذلك :
قال ابن عبد البر:
( واختلف الفقهاء في المرتدة فقال مالك والأوزاعي وعثمان البتي والشافعي والليث بن سعد : تقتل المرتدة كما يقتل المرتد سواء وهو قول إبراهيم النخعي وحجتهم ظاهر الحديث ) [فتح المالك بتبويب التمهيد ج8 ص 288].
وقال ابن قدامة :
(لا فرق بين الرجال والنساء في وجوب القتل روي ذلك عن أبي بكر وعلي رضي الله عنهما وبه قال الحسن والزهري والنخعي ومكحول وحماد ومالك والليث والأوزاعي والشافعي وإسحاق) [المغني ج8 ص 86].
قال في مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر :
 ( والمرأة ) إذا ارتدت ( لا تقتل ) عندنا حرة كانت أو أمة ( بل تحبس ) إن أبت ولو صغيرة فتطعم كل يوم لقمة وشربة وتمنع من سائر المنافع ( حتى تتوب ) أي تسلم أو تموت وعند الأئمة الثلاثة والليث والزهري والنخعي والأوزاعي ومكحول وحماد تقتل لقوله عليه الصلاة والسلام: { من بدل دينه فاقتلوه } وكلمة من تعم الرجال والنساء). [مجمع الأنهر - (4 / 383)].
ثم بين ابن حجر ضعف القول الذي نسب إلى إبراهيم النخعي في أن المرتد لا يقتل فقال: ( وأخرج ابن أبي شيبة عن حفص عن عبيدة عن إبراهيم: لا يقتل. والأول أقوى فإن عبيدة ضعيف، وقد اختلف نقله عن إبراهيم).
أما ما نقل عنه من أنه قال باستتابة المرتد أبدا فقد قال ابن حجر في فتح الباري :
( وعن النخعي يستتاب أبداً كذا نقل عنه مطلقاً، والتحقيق أنه في من تكررت منه الردة). انتهي
والحافظ ابن حجر يعني بذلك أن إبراهيم النخعي إنما قال : من تكررت منه الردة يستتاب كلما تكررت منه، ردا على الذين قالوا يستتاب المرتد ثلاث مرات فقط فإن تكررت منه الردة أربع مرات قتل دون استتابة، ويشهد لهذا ما قاله ابن جرير :
(القول في تأويل قوله تعالى: {إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ ثُمّ كَفَرُواْ ثُمّ آمَنُواْ ثُمّ كَفَرُواْ ثُمّ ازْدَادُواْ كُفْراً لّمْ يَكُنْ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً }..وقد ذهب قوم إلى أن المرتدّ يستتاب ثلاثا انتزاعا منهم بهذه الاَية، وخالفهم على ذلك آخرون. ذكر من قال يستتاب ثلاثا:
8510ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حفص، عن أشعث، عن الشعبيّ، عن عليّ عليه السلام، قال: إن كنت لمستتيب المرتدّ ثلاثا. ثم قرأ هذه الاَية: {إنّ الّذينَ آمَنُوا ثُمّ آمَنُوا ثُمّ كَفَرُوا}.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن عامر، عن عليّ رضي الله عنه: يستتاب المرتدّ ثلاثا، ثم قرأ: {إنّ الّذِينَ آمَنُوا ثُمّ كَفَرُوا ثُمّ آمَنُوا ثُمّ كَفَرُوا ثُمّ ازْداداوا كُفْرا}.
8511ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن عبد الكريم، عن رجل، عن ابن عمر، قال: يستتاب المرتدّ ثلاثا.
وقال آخرون: يستتاب كلما ارتدّ. ذكر من قال ذلك:
8512ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن عمرو بن قيس، عمن سمع إبراهيم، قال: يستتاب المرتدّ كلما ارتد.
قال أبو جعفر: وفي قيام الحجة بأن المرتدّ يستتاب المرة الأولى، الدليل الواضح على أن الحكم كل مرّة ارتدّ فيها عن الإسلام حكم المرّة الأولى في أن توبته مقبولة، وأن إسلامه حقن له دمه لأن العلة التي حقنت دمه في المرة الأولى إسلامه، فغير جائز أن توجد العلة التي من أجلها كان دمه محقونا في الحالة الأولى ثم يكون دمه مباحا مع وجودها، إلا أن يفرق بين حكم المرّة الأولى وسائر المرّات غيرها ما يجب التسليم له من أصل محكم، فيخرج من حكم القياس حينئذٍ.) [تفسير ابن جرير الطبري].
وروى البيهقي في سننه :
 ( أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس الأصم ثنا بحر بن نصر ثنا عبد الله بن وهب أخبرني سفيان الثوري عن رجل عن عبد الله بن عبيد بن عمير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استتاب نبهان أربع مرات وكان نبهان ارتد قال سفيان وقال عمرو بن قيس عن رجل عن إبراهيم أنه قال: المرتد يستتاب أبدا كلما رجع. قال بن وهب: وقال لي مالك ذلك أنه يستتاب كلما رجع هذا منقطع وروي من وجه آخر موصولا وليس بشيء) [سنن البيهقي الكبرى - (8 / 197)].
فلفظ الاستتابة أبدا المقصود قبول التوبة ممن تكررت ردته كما قال القاضي عياض :
(وكذلك يستتاب أبدا كلما رجع وارتد وقد استتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نبهان الذى ارتد أربع مرات أو خمسا قال ابن وهب عن مالك يستتاب أبدا كلما رجع وهو قول الشافعي وأحمد ) [الشفا بتعريف حقوق المصطفى - (2 / 260)].
وبهذا يظهر لك مدى الفهم السقيم للقرضاوي عندما قال :
(وبعضهم قال يستتاب أبدا، الإمام النخعي والإمام الثوري قالوا يستتاب أبدا، نفضل كل شوية نرجع نقول له إيه إيش رأيك ونحبسه.. ففي يعني مجال للاجتهاد في هذا الأمر) [الشريعة والحياة، حلقة بتاريخ : الثلاثاء 30/11/2010 م].
وبمثل هذه الاستنتاجات العليلة تساق الجماهير العريضة من الإخوان إلى البدعة والميوعة والانحراف !!
ثم إن إبراهيم النخغي روى حديث : "لايحل دم امريء مسلم إل بإحدى ثلاث ..."
حيث روى مسلم في صحيحه:
4377- حدثنا أحمد بن حنبل ومحمد بن المثنى واللفظ لأحمد قالا حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال :
قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
(والذي لا إله غيره لا يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا ثلاثة نفر التارك الإسلام المفارق للجماعة أو الجماعة شك فيه أحمد والثيب الزاني والنفس بالنفس).
قال الأعمش فحدثت به إبراهيم فحدثني عن الأسود عن عائشة بمثله‏ .
 وأخرج النسائي في سننه :
4027-أخبرنا إسحاق بن منصور قال : أنبأنا عبد الرحمان عن سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي لا إله غيره لا يحل دم امريء مسلم...) الحديث.
4028-قال الاعمش : فحدثت به إبراهيم فحدثني عن الأسود عن عائشة بمثله. انتهي من سنن النسائي .
وهذه الرواية ذكرها ابن حجر في الفتح من طريق آخر عندما تكلم على هذا الحديث فقال : -قال الطيبي المارق في رواية الثوري المفارق للجماعة وزاد: قال الأعمش فحدثت بهما إبراهيم يعني النخعي فحدثني عن الأسود يعني ابن يزيد عن عائشة بمثله.
ورواها البيهقي في السنن الكبري والدارقطني في السنن برقم 3134 وأبوعوانة في مستخرجه (4989).
وقد روى أيضا منصور عن إبراهيم عن ابي معمر عن مسروق عن عائشة نحوه، وذلك في سنن الدارقطني(3138)و(3140) .
قلت: كيف يتصور من إبراهيم النخعي إنكار حد الردة وهو أحد رواة حديثه !!
والأعمش ومنصور حين رويا الحديث عن النخعي لم يحكيا عنه مخالفة له!
وحتى لو خالفه فإن رواية الراوي مقدمة على رأيه كما هو معلوم، وكما قيل: "العبرة بما روى، لا بما رأى".
وبهذا يتضح أن القول الثابت عن إبراهيم النخعي هو القول بقتل المرتد والمرتدة، وأن ما نقل عنه من القول بعدم وجوب قتل المرتد ضعيف.
وأن القول المروي عنه في استتابة المرتد أبدا المقصود به كلما تكررت منه الردة، وهذا هو الذي تؤيده الروايات وتدعمه الأدلة وهو اللائق بمنزلة إبراهيم النخعي.
وإلا فكيف يتصور من هذا التابعي الجليل أن يخالف الأحاديث التي رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كان يتورع عن الفتوى بالتحريم والتحليل فقد أسند الدارمي أبو محمد في مسنده أخبرنا هارون عن حفص عن الأعمش قال: ما سمعت إبراهيم قط يقول: حلال ولا حرام ولكن كان يقول: كانوا يكرهون وكانوا يستحبون.
ومما يدل على تمسك إبراهيم بكل ما بلغه من السنة ما روه أيضا الإمام الدارمي:
باب الرجل يفتي بشيء ثم يبلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيرجع إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم:
641 - أخبرنا قبيصة ثنا سفيان عن الأعمش قال كان إبراهيم يقول: يقوم عن يساره. فحدثته عن سميع الزيات عن ابن عباس : ان النبي صلى الله عليه وسلم أقامه عن يمينه، فأخذ به.
قال حسين سليم أسد : إسناده صحيح
وكان لشدة ورعه يكره القصص كما روى عنه ابن كثير في تفسيره قال:
وقال إبراهيم النخعي: إني لأكره القصص لثلاث آيات: قوله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم}
وقوله: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون}.
 وقوله إخباراً عن شعيب: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب}.
وكيف يظن بإبراهيم النخعي أن يرد حديثا أو يأوله عن ظاهره وهو الذي كان يتبع النصوص اتباعا حرفيا حتى إنه قال إن وضع "العلقة" يعطي حكم الوضع فتنقضي به عدة الحامل وتصير به الأمة أم ولد نقل ذلك عنه ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام والشنقيطي في أضواء البيان.
ومما يدل على حرصه على التمسك بظواهر النصوص رأيه في مسألة الظفر حيث أورد الشنقيطي رأيه في أضواء البيان فقال :
أصح القولين، وأجراهما على ظواهر النصوص وعلى القياس: أن لك أن تأخذ قدر حقك من غير زيادة. لقوله تعالى في هذه الآية: {فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} الآية، وقوله: {فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ}.
وممن قال بهذا القول: ابن سيرين وإبراهيم النخعي، وسفيان ومجاهد، وغيرهم.انتهي
وكيف يعارض إبراهيم النخعي حديث النبي صلي الله عليه وسلم بقوله وهو الذي فسر قوله تعالى: {لا تبديل لخلق الله} أي لا تبديل لدين الله كما روى ذلك عنه ابن كثير في تفسيره
وكيف يخالف الإجماع ويجادل في أمر معلوم من الدين بالضرورة وهو الذي فسر قوله تعالى: {وألقينا بينهم العداوة والبغضاء} قال الخصومات والجدال في الدين كما روى ذلك عنه ابن كثير وابن أبي حاتم.
وكيف يقول إبراهيم النخعي بإسقاط حد الردة وهو الذي نقل عنه ابن كثير تفسير قوله تعالى {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} قال : لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله فتعطلوا الحدود ولا تقيموها .
وما أحوج هؤلاء الذين ينسبون هذا القول إلى إبراهيم النخعي أن يمتثلوا مقولة عيسى ابن مريم التي رواها الخرائطي عن إبراهيم النخعي وكان يرددها:
خذوا الحق من أهل الباطل، ولا تأخذوا الباطل من أهل الحق، كونوا منتقدي الكلام كي لا يجوز عليكم الزيوف.
وقد قال محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان: ولا عبرة أيضاً بقول إبراهيم النخعي: إن في قتل الفأرة جزاء لمخالفته أيضاً للنص، وقول عامة العلماء).
ومثل هذه الأقوال الظاهرة الضعف ينبغي أن تهمل ولا تنشر بين الناس، لأن ترويجها ترويج للباطل .
قال ابن القيم : فالواجب على من شرح الله صدره للإسلام إذا بلغته مقالة ضعيفة عن بعض الأئمة أن لا يحكيها لمن يتقلدها بل يسكت عن ذكرها إن تيقن صحتها (أي نسبتها إليه) وإلا توقف في قبولها فكثيرا ما يحكي عن الأئمة مالا حقيقة له" [إعلام الموقعين ج3 ص209].
قال القرافي : "كل شيء أفتي فيه المجتهد فخرجت فتياه على خلاف الإجماع أو القواعد أو النص أو القياس الجلي السالم عن المعارض الراجح لا يجوز لمقلده أن ينقله للناس ولا يفتي به في دين الله فإن هذا لو حكم به حاكم لنقضناه
وما لا نقره شرعا بعد تقرره بحكم الحاكم أولي أن لا نقره شرعا إذا لم يتأكد وهذا لم يتأكد فلا نقره شرعا والفتيا بغير الشرع حرام فالفتيا بهذا الحكم حرام " [الفروق للقرافي ج2 ص109].
وجدير بالقرضاوي وأتباعه الذين يحتجون بهذا القول المنسوب إلى النخعي ويتركون الروايات الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتبروا بما رواه الترمذي في سننه قال:
907-سمعت أبا السائب يقول كنا عند وكيع فقال لرجل ممن ينظر في الرأي: أشعر رسول الله صلي الله عليه وسلم ويقول أبو حنيفة الاشعار مثلة!!، قال الرجل : فإنه قد روي عن إبراهيم النخعي أنه قال : الاشعار مثلة، قال فرأيت وكيعا غضب غضبا شديدا وقال: أقول لك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول قال إبراهيم !! ما أحقك بأن تحبس فلا تخرج حتى تنزع عن قولك هذا .
قال ابن القيم :( وقد صرح مالك بأن من ترك قول عمر بن الخطاب لقول إبراهيم النخعي أنه يستتاب، فكيف بمن ترك قول الله ورسوله لقول من هو دون إبراهيم أو مثله .) [إعلام الموقعين ج2 ص 476].
أما نسبة هذا القول إلى الثوري فلم أجد فيها غير ما رواه عبد الرزاق في المصنف :
18697 – (أخبرنا عبد الرزاق عن الثوري عن عمرو بن قيس عن إبراهيم قال في المرتد يستتاب أبدا قال سفيان هذا الذي نأخذ به) [مصنف عبد الرزاق-(10/166)].
فقد تابع النخعي في القول باستتابة المرتد أبدا، وقد عرفت معنى الاستتابة أبدا، ومن عرف منزلة سفيان الثوري وأنه أمير المؤمنين في الحديث وعرف قدره في الزهد والخشية علم بيقين أنه لا يمكن أن يكون ممن يعارضون السنن الثابتة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق