الجمعة، 21 سبتمبر 2012

المظاهرات عمت العواصم الرئيسة للربيع العربي، من اجل التعبير عن استنكار الجماهير العربية لفيلم لا نعلم أصله من فصله

لا شيء واضح حتى الآن ومع ذلك تميد الأرض تحت أقدامنا. المظاهرات عمت العواصم الرئيسة للربيع العربي، من اجل التعبير عن استنكار الجماهير العربية لفيلم لا نعلم أصله من فصله.
الفيلم غير موجود كما تتناقل الأنباء ومخرجه كذلك غير معروف، لا على المستوى الشخصي ولا على المستوى السينمائي. المسلمون العرب في اليمن ومصر وليبيا لم يتحملوا الإساءة إلى النبي الكريم فقاموا يتظاهرون أمام السفارات الامريكية بالتحديد. مسلمو الدول الأخرى لم يتحركوا بعد، على الرغم من انتشار وسائط الاتصال الحديثة وتناقل الأخبار على صفحات المواقع الاجتماعية. المتظاهرون في ليبيا ومصر واليمن كانوا سريعي التجاوب مع الحدث السينمائي الذي تحوم حول وجوده الفعلي شكوك جدية.
وبعيدا عن نظريات المؤامرة التي تشكك في كل شيء يجري، فإن ما هو مؤكد حتى الآن أن هناك فيلما سينمائيا يتحدث عن 'جورج' ركب عليه كلام لكي يتحدث عن النبي العربي الكريم بكلمات نابية، فيلم لم يحضره احد وليس معروفا بالضبط إذا كان له وجود فعلي، إذ جل ما فهم أن بعض المقاطع مما يعتقد انه فيلم سينمائي قد نشرت على موقع اليوتوب.
صاحب الفيلم ومخرجه غير معروف إطلاقا ومع ذلك تتناقل الألسن انه إسرائيلي أو إسرائيلي- أمريكي او قبطي مصري مهاجر او أمريكي مسيحي متطرف دينيا. الممولون كما قيمة تكاليف الفيلم، غير واضحين إطلاقا. إحدى ممثلات الفيلم صرحت بأنها لم تمثل الفيلم الذي يجري الحديث عنه وتتهم المخرج بتركيب كلام مغاير لما نطقت به في أثناء التمثيل.
خلاصة الامر أن فيلما غير مؤكد الوجود قد سبب حالة غليان لدى مسلمي الأرض، ولا سيما في بعض الدول العربية، تنعكس حالة من العدائية للأمريكي. لماذا ضد الامريكي وليس ضد الإسرائيلي الذي تحوم شكوك الإخراج والتمويل حوله؟ لا جواب. صحيح أن الامريكي في بلادنا لا ينعم بسمعة طيبة لدى شعوبنا لألف سبب على الأقل، لكن الصحيح أيضا أن الامريكي هو اليوم صديق المسلمين الذين كسبوا ربيعهم بفضله، وهو الذي يدعمهم في خطواتهم الأولى من اجل تثبيت حكمهم المدني الديمقراطي.
في الساعات الأولى لانتشار نبأ الفيلم بدأنا نشهد حملة إعلامية متشددة من قبل بعض الحركات الإسلامية ضد أقباط مصر، سرعان ما خمدت واستبدلت بلمح البصر بحملة ضد الامريكي وسفاراته قادت في ليبيا إلى قتل السفير الامريكي واثنين من معاونيه.
الحدث المسبب بذاته غامض جدا وهذا اقل ما يمكن أن يقال الآن، ردود الفعل أكثر من سريعة ولا سيما في تحديد العدو واشكال الرد والتنظيم.
أما اقتصار التحركات على بعض الدول الربيعية فيثير التعجب. أي فيلم يجري عرضه بالضبط ولمصلحة من؟ المراقبون مدهوشون مما يجري لصعوبة تفسير هذا النوع من الأفلام . فماذا يريد المخرج المجهول للفيلم غير المصور أن يحدث؟ هل يريد دفع الكتل الدينية العربية إلى اقتتال داخلي وإلى الفتنة، كما يحلو لنا أن ندلع الحروب الأهلية؟ هل المطلوب هو الأفغنة؟ هل يريد تأليب كتل أخرى منها على العدو الامريكي ثأرا لسيطرة الامريكي على الانتفاضات العربية؟ هل كان يريد الحصول على الهدف الأول فـ'زحط' الحدث لكي يقع في الهدف الثاني؟
الغموض في أساس الحدث انتقل إلى غموض أعمق في تفاعلاته وردود الفعل عليه، ذلك أن سيل الأسئلة لم ولن يتوقف بعد اليوم. وماذا لو لم يعد الامريكي اللاعب الدولي الوحيد في المنطقة؟ ماذا لو لم يعد الامريكي صاحب المبادرة الوحيد في هذه اللعبة المعقدة؟ وماذا لو لم يعد الامريكي يستطيع أن يسيطر على جميع ردود الفعل المتوقعة لكافة الأطراف؟ هل نحن بصدد الانتقال إلى مرحلة تثبيت وتكريس أنظمة الإسلام الأخواني؟ أم أننا في صلب الانتقال إلى نظام عالمي جديد متعدد القطب؟ هل نحن بصدد تكريس استقرار إقليمي جديد أم أننا في مواجهة مرحلة من التوتر والحروب والفتن لن تنتهي ألا بتوازن إقليمي ودولي جديد؟
والحال فإن حصر تفسير حدث بمثل هذا الحدث، الخطير بمدلولاته وتعقيدات أطرافه ، بجانب واحد تبسيطي، أمر يجافي الوقائع الجارية أمام أعيننا. ولعله من التبسيط الأشد أن نفسر ما يحدث عبر ربطه بالانتخابات الامريكية وصراع الديوك اوباما وميت رومني، أو عبر ربطه بأحداث 11 سبتمبر. فتنظيم 'القاعدة'، الذي لم يقم بأي ردة فعل لا إعلامية ولا عسكرية على قيام الامريكي بتصفية أسامة بن لادن شخصيا، والذي ما أن 'دعي' إلى المشاركة في حرب سورية حتى لبى النداء صاغيا، لن يتذكر فجأة الامريكي لكي 'يعايده' بهذه المناسبة.
قيل الكثير حول سيناريو الفيلم السيئ ومستواه الهابط والسخيف من الناحية الفنية وقيل الكثير حول ردود فعل الجماهير المسلمة غير المنطقية وغير المتوازنة أو غير المتناسبة مع الحدث بذاته، غير أن ما يجري على الأرض فعليا يشير ربما إلى أن هذا الفيلم ليس بهذا السوء أو بهذه السخافة، بل من الطبيعي أن يكون من إعداد من يجب أن يبقى في الظل لكي يثير من هو تحت الأضواء.
أما أن يقال بان الفيلم يدخل في إطار مؤامرة ما ضد شعوبنا فهذه مبالغة لا يحتملها العقل، إذ لا يعقل أن يقوم مجهول بالكلام عن فيلم لم يشاهده احد فيثير ما يثيره في بلادنا من توترات لا يعرف غير الله كيف ستنتهي. 

عناية جابر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق