حُكم القرآن فيهم ..
قال
تعالى : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]
في
هذه الآية إخبار من الله سبحانه وتعالى بكفر من لم يحكم بشرعه ..
وقد
سُئل عبد الله بن مسعود عن الرشوة في الحكم فقال: ذاك الكفر، وتلا الآية، وبمـثل
قـول ابن مسعـود قـال عمـر بن الخطـاب وعلـي بن أبـي طالـب رضـي اللـه عنهم.
وقـال
به من التابعين: الحسن البصري وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والسدي .
قال
السدي في تفسير الآية: (يقول ومن لم يحكم بما أنزلت فتركه عمدا أو جار وهو يعلم
فهو من الكافرين).
والكفر
المذكور في الآية هو الكفر الأكبر المخرج من الملة .
لأن
الأصل في الكفر حيثما ورد أن معناه الكفر المخرج من الملة ولا يجوز حمله على غيره
إلا بدليل، ولأن الأصل في الكلام أن يحمل على الحقيقة لا على المجاز .
وقد
ورد في الآية عدة مؤكدات تدل على أن الكفر المذكور هو الكفر الحقيقي، ومنها:
1
ـ أنه جاء بصيغة الإسم المعرف بأل ــ (الكافرون) ــ الدال على حصول كمال المعنى.
2- أنه جاء بلـفـظ الإسم (الكافرون) والاسم يدل عـلى الثبـوت
واللزوم، بخلاف الفعــل فهو يدل على التجــدد والحدوث.
3-
فصل المسند إليه بضمير فصل عن المسند يفيد تخصيصه به، كما قال في الجوهر المكنون :
وفصله يفيد قصر المسند ...عليه كـالصوفي هو المهتدي.
وقال
الخطيب القزويني في الإيضاح :
(وأما
توسط الفصل بينه وبين المسند فلتخصصه به كقولك زيد هو المنطلق ) الإيضاح في علوم
البلاغة (ص: 55)
وهذا
التخصيص والقصر يفيد التأكيد كما في قوله تعالى {وأولئك هم المفلحون}.
قال
المنياوي في حاشيته على حلية اللب المصون :
(ويلزم
من التخصيص تأكيد الإثبات لتضمنه إثباتا خاصا مفيدا لتسليم مطلق الثبوت).
ثم
قال مفسرا معنى التأكيد : (أي تأكيد ثبوت المسند للمسند إليه) .
فهذه
المؤكدات كلها تدل على أن الكفر المذكور في الآية هو الكفر المخرج من الملة .
***
فإذا علمت أن من لم يحكم بما أنزل
الله يستحق وصف الكفر بنص القرآن الكريم فتعال ننظر في طبيعة عمل هذه الحكومات :
في النظام الديمقراطي-الذي تدعو الجماعات
الإخوانية إلى التحاكم إليه- تنقسم السلطة إلى ثلاثة أقسام :
1- السلطة التشريعية وهي البرلمان .
2-
السلطة القضائية وهم القضاة في
المحاكم وأعوانهم .
3- السلطة التنفيذية وهي الحكومة المكونة من الرئيس والوزراء .
ولكل
من هذه السلطات الثلاث مناط مكفر ..
فكفر
البرلمان يتحدد في كونه مشرعا من دون الله .
وكفر
الحكومة يتحدد في الحكم بغير ما أنزل الله، لكونها تتولى الجانب التنفيذي للحكم
بالقانون الوضعي .
وكفر القضاة وأعوانهم يتحدد أيضا في
الحكم بغير ما أنزل الله، لكونهم يحكمون بالقانون الوضعي المخالف لشرع الله .
و الانتساب إلى الحزب الإسلامي أو
إطالة اللحية ليس مانعا من موانع التكفير ..
وكما أنه لا يجوز استثناء المنتسبين
إلى الأحزاب الإسلامية من أحكام السرقة حين يسرقون فلا يجوز استثناؤهم من أحكام
الحكم بغير ما أنزل الله حين يحكمون بغير ما أنزل الله .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
الأحكام الشرعية مرتبطة بالعلل
والأوصاف، وليست مرتبطة بالأسماء والأشخاص ..
فكل حاكم يحكم بين الناس بغير ما
أنزل الله فقد كفر لأنه ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام، وعلة كفره هي حكمه بغير ما
أنزل الله، والعلة تدور مع معلولها وجودا وعدما ..وسواء كان هذا الحاكم منتميا
لحزب إسلامي أو علماني ..
إن الأحكام الشرعية ليست ملكا لنا
حتى نسقطها على من نشاء ونرفعها عمن نشاء ..
إن لها قواعد وضوابط محددة يجب
إسقاطها على كل الناس -على حد سواء- دون حيف أو محاباة..
إنها إخبار عن حكم الله وشرعه الثابت
الذي لا يتغير ولا يتبدل، وليست إخبارا عما نهواه أونتمناه .
لقد كنا نقول بكفر كل الحكومات التي
تحكم بغير ما أنزل الله لسبب واضح هو أنها تحكم بغير ما أنزل الله ..
واليوم ظهرت على الساحة حكومات تحكم
بغير ما أنزل الله وتعترف بأنها تحكم بغير ما أنزل الله ..وتسمي نفسها إسلامية
..وتصر على إلغاء الشريعة الإسلامية !
فهل من موانع الكفر كون هذه الحكومات
الرافضة لشرع الله تسمي نفسها إسلامية ؟
ما الذي تغير حتى جعل البعض يتردد في
إسقاط حكم الكفر على هذه الحكومات ؟
ألم يكن أنصار الحكومات من قبل
يجادلون عنها بأن النظام الدولي لن يسمح لها بتطبيق شرع الله ؟
أليس آل سعود يزعمون بأنهم يطبقون
شرع الله وأن دولتهم هي دولة التوحيد ؟
أليس طاغية المغرب هو من يلقب نفسه
بأمير المؤمنين ؟
ألم يكن الطاغية القذافي يسمي نفسه
الثائر المسلم ؟
إن معظم هذه الدويلات التي تحكم بغير
ما أنزل الله تكتب في دستورها الشركي أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي
للقوانين ومن أمثلة ذلك :
1- المادة (1) من
دستور دولة قطر المؤرخ في : 19/04/1972
تقول
: (..الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي لتشريعها ).
2-
البند (2) من وثيقة إعلان سلطة الشعب في ليبيا
المؤرخة في : 02/03/1977 تقول :
(القرآن الكريم هو شريعة المجتمع في الجماهيرية الليبية).
3-
المادة (1) من النظام الأساسي للحكم في المملكة
السعودية تنص على أن : (...دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم).
4-
المادة (7) من دستور دولة الإمارات المؤرخ في :
18/07/1971 تقول :
(الإسلام هو الدين الرسمي للاتحاد والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع).
5-
المادة (2) من دستور البحرين المؤرخ في : 20/07/1972
تقول : (دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية
مصدر رئيسي للتشريع).
6- المادة (9) من
دستور السودان المؤرخ في : 22/07/1971
تقول : (الشريعة الإسلامية والعرف مصدران
رئيسيان للتشريع).
7- المادة (3) من
دستور سوريا المؤرخ في : 13/03/1973
تقول : (الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع).
8-
المادة (2) في دساتير كل من مصر والكويت تنص على
أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع .
9-
أما الدستور التونسي السابق فتنص ديباجته على أن
الشعب التونسي (مصمم على تعلقه بتعاليم الإسلام )، وتنص المادة الأولى منه على أن
تونس : "دولة حرة ..والإسلام دينها).
ومع أن كل هذه الحكومات كانت تتمسح بالإسلام
وتنسب نفسها إليه فقد كنا نعتبرها حكومات كافرة مرتدة، وحتى من كانوا ينتقدون
تكفيرها لم يجدوا بدا من تكفيرها بعد أن ثارت الشعوب عليها !
فلماذا نركض اليوم وراء العناوين
الكاذبة ونتعامى عن الحقائق الواقعية ؟
إن منصب الحكم بغير ما أنزل الله منصب
كفري، وكل من تبوأ هذا المنصب فقد تبوأ مقعده من الكفر .
نحن لا نعطي وصف الإسلام لمن نشاء
ونمنعه عمن نشاء ..
نحن لدينا أوصاف محددة وأحكام مقررة،
فمن اتصف بالأوصاف أسقطنا في حقه ما تقرر من أحكام ..
***
ربما يحاول بعض أنصارهم التماس
الأعذار والتأويل لهم ..
لكنا لم نجد لهم من التأويل
والاعتذار ما يدفع عنهم الكفر أو يميزهم عمن سبقهم .
وما من صاحب باطل إلا وهو يحاول
التبرير لباطله بما أمكنه من شبه ومعاذير ..
وقد قيل : المعاذير مكاذب .
لقد اعتذر إبليس عن سجوده لآدم فقال
{ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}
[الأعراف: 12]
واعتذر الكفار عن عبادتهم للأوثان
فقالوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}
[الزمر: 3]
وكانت العرب ما عدا قريشا لا يطوفون
بالبيت في ثيابهم التي لبسوها..فكانت المرأة تطوف بالبيت عريانة وتقول :
اليوم يبدو بعضه
أو كله ..وما بدا فلا أحله .
يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في
ثياب عصوا الله فيها !
والذين بنوا مسجد الضرار قال تعالى
في شأنهم :
{وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا
إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.
والذين استهزءوا بالنبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه اعتذروا بقولهم : {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}
..فرد عليهم القرآن : {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ
تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}.
ولم يزل أهل العلم يصرحون بالتفريق
بين التأويل المقبول الناشئ عن محض الخطأ، والتأويل المردود الذي يدل على اتباع
الهوى أو وجود الإصرار والتعمد .
فالأول مقبول والثاني مردود .
قال الإمام إسماعيل بن محمد بن الفضل
التيمي الأصبهاني :
( المتأول إذا أخطأ وكان من أهل عقد
الإيمان، نظر في تأويله، فإن كان قد تعلق بأمر يفضي به إلى خلاف بعض كتاب الله أو
سنة يقطع بها العذر، أو إجماع فإنه يكفر ولا يعذر؛ لأن الشبهة التي يتعلق بها من
هذا ضعيفة لا يقوى قوة يعذر بها؛ لأن ما شهد له أصل من هذه الأصول، فإنه في غاية
الوضوح والبيان، فلما كان صاحب هذه المقالة لا يصعب عليه درك الحق، ولا يغمض عنده
بعض موضع الحجة لم يعذر في الذهاب عن الحق، بل عمل خلافه في ذلك على أنه عناد
وإصرار) الحجة في بيان المحجة (2/ 552).
قوله : "بل عمل خلافه "
لعلها تصحيف، وصوابه :"بل عومل خلافه".
والمالكية يرون التأويل القريب مسقطا
للكفارة في الصيام بخلاف التأويل البعيد.
ومن الفروق التي يفرقون بها بين
التأويل القريب والتأويل البعيد : أن التأويل البعيد هو ما استند إلى سبب غير
موجود، والتأويل القريب هو ما استند إلى سبب موجود .
ويمثلون للتأويل البعيد بمن كانت
عادته أن تأتيه الحمى في يوم بعد يوم أو بعد يومين فأصبح في يوم الحمى مفطرا قبل
أن تأتيه الحمى وهو قادر على الصوم إذا لم تأته الحمى ثم جاءته الحمى في بقية يومه
فعليه القضاء والكفارة على المشهور لأنه تأويل بعيد لأنه مستند لسبب لم يوجد بعد .
وكذلك المرأة إذا كانت معتادة أن
يأتيها الحيض في يوم من الشهر فأصبحت في ذلك اليوم مفطرة قبل أن يأتيها الحيض ثم
جاءها الحيض في أثناء النهار فعليها القضاء والكفارة لأنه تأويل بعيد واستناد إلى
سبب غير موجود .
وكذلك من اغتاب مسلما في نهار رمضان
فتأول أنه أفطر بذلك فأكل .
ويمثلون للتأويل القريب بمن سافر دون
القصر فظن إباحة الفطر، وبمن رأى شوالا نهارا فظن إباحة الفطر .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة
الله عليه:
(فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ
فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان سواء كان في المسائل النظرية أو العملية هذا
الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . وجماهير أئمة الإسلام ) مجموع الفتاوى
(23/ 346).
أقول : والمجتهد في طلب الحق، لا
يمكن أن يتجرأ على نواقض الإسلام كالتشريع من دون الله أو الحكم بغير ما أنزل، إلا
ان تكون له حجة شرعية مبيحة، والإصرار على ارتكاب النواقض مع انعدام الحجة الشرعية
المبيحة دليل على عدم الحرص على طلب الحق .
وليس بحاكم من
لا يبالي ...أأخطأ في الحكومة أم أصاب
إن التحاكم إلى غير شرع الله لا
تبرره أي نية حسنة أو غاية شريفة .
ولهذا عاب الله تعالى على أقوام
أرادوا التحاكم إلى غير شرعه بحجة الإصلاح فقال تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ
مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا
أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا
(60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى
الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ
إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62)
أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ
وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا } [النساء : 60 -
63].
قال ابن كثير : ({ ثُمَّ جَاءُوكَ
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا } أي:
يعتذرون إليك ويحلفون: ما أردنا بذهابنا إلى غيرك، وتحاكمنا إلى عداك إلا الإحسان
والتوفيق، أي: المداراة والمصانعة، لا اعتقادا مناصحة تلك الحكومة، كما أخبرنا
تعالى عنهم في قوله: { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ
فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى [أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ
يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ] فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا
أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ }) تفسير ابن كثير (2 / 347).
وقال الشوكاني : (أي : ما أردنا
بتحاكمنا إلى غيرك إلا الإحسان لا الإساءة، والتوفيق بين الخصمين لا المخالفة لك
.) فتح القدير (2 / 168).
***
قد يوجد من الإخوة من يرى أنه ليس من
المصلحة التصريح بتكفير هذه الحكومات وذلك لسببين :
السبب الأول :
أن الصراع اليوم لم يعد مع أولئك
العلمانيين الذين يرفضون شرع الله جملة وتفصيلا فقد سقطت راية هذا الصنف من
العلمانيين ولم يعد يركض وراءه إلا من لا دين له .
إنما الصراع اليوم مع صنف آخر من
العلمانيين يريدون تغييب الإسلام باسم الإسلام !
والجهر بتكفير هؤلاء المتمسحين
بالإسلام الذين يختلون الدنيا بالدين ويلبسون للناس جلود الضأن على قلوب الذئاب
ربما تسبب في بعض الانتقادات والاتهامات لأهل التوحيد بأنهم تكفيريون..!
السبب الثاني :
أن المصلحة تقتضي السكوت عن هذه الحكومات التي
نطمع أن يكون مناخ الحرية الدعوية في عهدها أكثر اتساعا من مثيلاتها السابقة.
ولأن تكفيرها قد يكون ذريعة وحجة في
محاربتها لأهل التوحيد الذين ينافسونها ويسحبون البساط من تحتها، تماما كما فعلت
حماس التي قتلت الموحدين في مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية وملأت سجونها بهم ومازالت
إلى الآن تعتقل الشيخ المجاهد أبا الوليد المقدسي وإخوانه فك الله أسرهم، كل ذلك
بحجة القضاء على التكفيريين !
وقد قام الإخوان بمباركة جرائم حماس
وشجعها القرضاوي على تلك الجرائم وحاول تبريرها كعادته في تبرير الباطل والمنكر .
فليس من المستبعد أن يكون هذا هو
نهجهم في كل مكان !
لكن مع ذلك أقول :
التهمة بأننا تكفيريون أصبحت سوطا نجلد به كلما
تحدثنا عن مظاهر الشرك المنتشرة وحذرنا الناس من الوقوع في نواقض الإسلام !
فلا ينبغي أن تكون تلك الاتهامات
والتشويهات عقبة أمام أهل التوحيد تمنعهم من قول الحق والتصريح به ..لأنها لن
تنقطع إلا بتخليهم عن الدين كله !
وما على العنبر
الفواح من حرج ... أن مات من شمه الزبال والجعل .
وأعداء الدين ما فتئوا يحاربون
التكفير سواء كان بالحق أو بالباطل وينتقدونه لأنهم يعلمون أنه سيف مصلت على كل من
خرج على شرع الله، ولأنهم يسعون إلى إزالة الحواجز بين الكفر والإسلام .
ورد في خبر نقلته وكالة تونس أفريقيا
للأنباء :
دعا الرئيس التونسي رئيس المجلس الوطني
التأسيسي مصطفى بن جعفر وأعضاء المجلس إلى " الإسراع بسن قانون يجرم التكفير
ويجعل من يستعمله عرضة للتبعات القانونية ويحفظ تعايش التونسيين".
وقال "ليس من حق أي أحد أن يكفر
مواطنا آخر بالنظر إلى أن ذلك يمكن أن يشكل مقدمة للعنف وهو أمر مرفوض
ومدان".
وقال "استعمال هذا الأسلوب
الخطير في التعبير عن الاختلافات الفكرية يمثل تهديدا للسلم بين مواطني البلد
الواحد ويبث الفتنة بينهم". ([1])
أما بالنسبة لمداهنة هذه الحكومات
الإخوانية فهي غير مشروعة و إن كانت المصلحة تقتضيها ..
فقد تجوز المحاباة والمداهنة في
الأمور الدنيوية أما الأحكام الشرعية فلا يجوز فيها شيء من ذلك ..
لقي الإمام الأوزاعي ثور بن يزيد
الحمصي - وكان قد رمي بالقدر - فمد ثور يده إليه، فأبى الأوزاعي أن يمد إليه يده، وقال
: يا ثور لو كانت الدنيا لكانت المقاربة، ولكنه الدين . (سير أعلام النبلاء
:6/344).
عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه –
قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في العسر واليسر
والمنشط والمكره وعلى أثرةٍ علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً
بواحاً عندكم من الله فيه برهان وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله
لومة لائمٍ" رواه البخاري
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: أوصاني
خليلي صلى الله عليه وسلم، بخصال من الخير: ( .... أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأوصاني
أن أقول الحق وإن كان مراً.) رواه ابن حبان في صحيحه .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم " قام خطيباً، فكان فيما قال: "ألا لا يمنعن رجلاً
هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه"، فبكى أبو سعيد وقال: قد والله رأينا أشياء
فهبنا. رواه ابن ماجه .
لا تبالي إذا حكمْتَ بأمر اللـ
|
ـذي جادت يمينه بالكرائم
|
وإذا ما أمرتَ لله أمراً
|
لست تخشى في الله لومة لائم
|
وسكوت أهل العلم عن الحق وعدم بيانه
للناس هو الذي أضاع الدين في هذا الزمان ..
علماء دينك يا محمد قد لهو
|
بالدين حتى ضاعت الأحكام
|
لا ينطقون الحق في بلد به
|
من دون ربك تعبد الحكام !
|
ليست مهمتنا هي مداهنة الناس وخداعهم
بستر الحقائق الشرعية التي ندين بها فإن ذلك يزيد الداء ولا يرفع البلاء .
إن مهمتنا هي الصدع في وجوه الناس
بالحق مهما كان مرا في آذانهم ومهما كان غريبا عليهم ومهما كان صادما لهم، لقد بعث
الرسل إلى أقوامهم فعجبوا منهم أشد العجب واستغربوا دعوتهم واستنكروها كما قال
تعالى :{ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ } وقال بعض الكفار
متعجبين من دعوة نبيهم :{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا
لَشَيْءٌ عُجَابٌ} وقالوا : { مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ
الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} وقال آخرون : { مَا سَمِعْنَا
بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} .
وما كان هذا التعجب والاستغراب ليمنع
المرسلين بالصدع بالحق والجهر بما جاءوا به من الدين الغريب عند الناس .
ولو كان من الحكمة ألا نقرع آذان
الناس بما يستغربون من الحق وكان ذلك مقصدا شرعيا لما تغير حال الناس من الجاهلية
إلى الإسلام .
إنما ينبغي فقط اختيار الطريق الأنجع
والأقل مفسدة من أجل توصيل الحقائق إلى الناس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق