الأحد، 16 سبتمبر 2012

ترجمة العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن


"هو العلامة الأوحد، الكبير، علامة المعقول والمنقول، حاوي علمي الفروع والأصول" [19]؛ أبو عبد الله؛ الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعاً.

ولد سنة 1225 هـ، في مدينة الدرعية - موطن دعوة التوحيد ومهد علمائها في ذلك الحين - فنشأ أول ما نشأ بها، وقرأ القرآن في صغره.

ولما أصاب الدرعية ما أصابها من الخراب والتدمير على يد إبراهيم محمد علي باشا، نُقل الشيخ عبد اللطيف وعمره ثمان سنوات إلى مصر في معية والده الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن، وذلك أواخر سنة 1233 هـ.

فنشأ بها وتزوج فيها، وأقام بها حتى بلغ إحدى وثلاثين سنة.

وطلب العلم فيها على مشايخ مصريين ونجديين، فمن أبرز المشايخ المصريين الذين أخذ عنهم؛ محمد بن محمود بن محمد الجزائري الحنفي، والشيخ إبراهيم الباجوري - شيخ الجامع الأزهر في زمانه - ومن النجديين؛ والده الإمام عبد الرحمن بن حسن.

ثم رحل إلى نجد سنة 1264 هـ، وقدم الرياض على والده الشيخ عبد الرحمن بن حسن - وكان قد عاد إلى نجد من مصر سنة 1241 هـ -

فاستقر الشيخ عبد اللطيف في مدينة الرياض بضعة أشهر، وجلس لطلاب العلم فيها؛ حتى عرف عنه القاصي والداني؛ غزارة علمه وسعة اطلاعه وقوة عارضته وقدرته على المناظرة.

فبعثه الأمير فيصل بن تركي وأبوه الشيخ عبد الرحمن؛ إلى الإحساء، لتقرير عقيدة السلف ونشر دعوة التوحيد، ومناظرة علمائها في أصول الدين والعقائد - وكان الغالب عليهم مذهب الأشاعرة -

فقدم الشيخ عبد اللطيف الإحساء سنة 1264 هـ، وأقام بها سنتين؛ داعياً إلى التوحيد والسنة، مناظراً عليهما، حتى رجع جمع من مشايخ الإحساء إلى عقيدة السلف الصالح بتوفيق من الله له.

ثم عاد رحمه الله إلى الرياض، فكان عوناً لوالده؛ في نشر العلم ودعوة التوحيد، وتجديد ما اندثر منها، بعد ما أصاب أهل الجزيرة العربية من الفتن التي جعلت الكثير ممن لم يتمكن الإيمان من قلبه يعود لما كان عليه قبل دعوة شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب.

ولم يقتصر رحمه الله على الجهاد باللسان، بل ضم إليه الجهاد بالسنان، فكان رحمه الله يشارك بنفسه في بعض الغزوات التي يقودها الأمير فيصل بن تركي.

يحكي المؤرخ عثمان بن بشر رحمه الله في معرض حديثه عن إحدى تلك الغزوات، فيقول: (فكان وصولي إلى مخيمه [20] بعد صلاة العصر، وإذا بالمسلمين مجتمعين في الصيوان الكبير للدرس، فجلس الإمام فيه والمسلمون يمينه وشماله ومن خلفه وبين يديه، وجلس الشيخ عبد اللطيف إلى جنبه، فأمر القارئ بالقراءة عليه، فقرأ في كتاب التوحيد، تأليف الشيخ محمد بن عبد الوهاب قدس الله روحه، وصدر الباب بقوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ... إلى آخر الآية}، ثم ذكر حديث النواس بن سمعان، فتكلم الشيخ بكلام جزل، وقول صائب عدل، بأوضح إشارة وأحسن عبارة، فتعجبت من فصاحته وتحقيقه، كأن بين يديه كتاب التفسير كالقرطبي أو ابن جرير أو أبي حيان أو ابن كثير)!

وله رحمه الله مصنفات عديدة منها:

1) كتاب مصباح الظلام، في الرد على عثمان بن منصور، مجلد.

2) كتاب منهاج التأسيس، في كشف شبهات داود بن جرجيس، مجلد.

3) كتاب البراهين الإسلامية في الرد على شبهات الفارسية.

4) كتاب تحفة الطالب والجليس في الرد على داود بن جرجيس.

5) رسائل عديدة وأجوبة مفيدة تبلغ مجلدا، جمع أكثرها الشيخ سليمان بن سحمان في "مجموع الرسائل والمسائل النجدية"، وقال: (لقد اشتملت على أصول أصيلة ومباحث جليلة، لا تكاد تجدها في كثير من الكتب المصنفة، والدواوين المشهورة المؤلفة، إذا سرح العالم نظره فيها؛ علم أن هذا الإمام قد حاز قصب السبق في الفروع والأصول، واحتوى منه على ما سمق وسبق به الأئمة الفحول).

6) وشرع في شرح كتاب الكبائر، وشرح النونية، فاخترمته المنية قبل اتمامهما.

أخذ عنه العلم خلائق لا يحصون، منهم؛ أبناؤه - عبد الله، وإبراهيم، ومحمد وعبد العزيز - وأخوه إسحاق، والشيخ حمد بن عتيق، والشيخ سليمان بن سحمان، وخلائق من أهل نجد ومصر والأحساء وغيرها.

يقول عنه الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم: (برع حتى صار إماما في جميع الفنون؛ لم ير شخص له من الكمال في العلوم والصفات الحميدة التي لم يحصل بها الكمال لسواه.

فإنه رحمه الله كان كاملا في صورته ومعناه، من الحسن والإحسان، والحكم والسؤدد، والعلوم المتنوعة، والأخلاق الجميلة، والأمور المستحسنة، التي لم تكمل من غيره، وقد علم من كرم أخلاقه، وحسن عشرته، وهيبته وجلالته، ووفور حلمه، وكثرة علمه، وغزير فطنته، وكمال مروءته ودوام بشره، وعزوف نفسه عن الدنيا وأهلها، والمناصب لأربابها، ما قد عجز عنه كبار الأكياس، ولا يظن أن يدركه أحد من الناس.

أدرك مقام الأئمة الكبار، وناسب قيامه من بعض الأمور مقام الصديقين، وأما شجاعته فبها تضرب الأمثال، وببعضها يتشبه الأكابر الأبطال؛ فلقد أقامه الله في نصرة دينه، والتقاء أعباء الأمر بنفسه; وقام وقعد، وعزل ونصب، واجتمع بالملك وشجعه، ومرة أخافه وأرعبه، وله حدة قوية، وإقدام وشهامة، وقوة نفس، يضرب بها المثل، وفيه مروءة، وقيام مع الناس، وسعي في مصالحهم. لم ير أزهد منه عن الدنيا، والدرهم لا يذكره، ولا أظنه يدور في ذهنه... قد شاعت مناقبه ومحاسنه في الورى، وأثنى عليه علماء نجد والأمصار، ودار في سائر الأقطار.

ولو تتبعنا سيرته ومحاسنه، وما أثني به عليه؛ لبلغ مجلداً).

وقد عاش رحمه الله بعد وفاة الأمير فيصل بن تركي - عام 1282 هـ -؛ 11 سنة، وهي حقبة كانت مليئة بالحروب والفتن، بسبب النزاع الذي جرى بين ابناء الأمير فيصل - عبد الله وسعود -

والذي سرعان ما تحول من خلاف على الملك، إلى صراع مسلح، أدى أخيراً إلى استعانة عبد الله بن فيصل بالدولة العثمانية على أخيه سعود، بعد ان مُني جيشه بهزيمة نكراء! عام 1287هـ.

وقد وقف الشيخ رحمه الله في هذه الحروب والفتن التي عصفت بنجد في ذلك الوقت مواقف خالدة، تشهد له بالقوة والثبات، والنصح لله ولرسوله وعباده المؤمنين... كان من بعض ثمراتها ما عُرض في هذه المجموع من رسائل ونصائح.

يقول الشيخ محمد رشيد رضا في تقديمه لرسائل الشيخ عبد اللطيف: (واتفق في زمن العلامة عبد اللطيف؛ ان وقعت فتنة وشقاق في شأن الإمارة بين أميرين من آل سعود، لكل منهما أنصاره، وتطلع في عهده ما كان قابع من رؤوس شياطين النفاق، فبمجموع هذه الحوادث؛ يُعلم الشعور الذي كان غالباً عليه اثناء كتابة رسائله هذه) [21].

توفي رحمه الله وأسكنه النعيم المقيم، بعد عمر حافل بنشر العلم والجهاد والنصح للمؤمنين، في 4 من ذي الحجة، سنة 1292 هـ، عن 67 سنة [22].



[19] هكذا وصفه علامة العراق؛ محمود شكري الآلوسي رحمه الله.

[20] أي مخيم؛ فيصل بن تركي.

[21] م: ج3/ص: ع.

[22] انظر؛ د: 16/ص 413 - 426، و "مشاهير علماء نجد وغيرهم": ص 69 - 94.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق