الاثنين، 17 سبتمبر 2012

الأستاذ عبد السلام بسيوني في حوار عن المرأة..

الأستاذ عبد السلام البسيوني في حوار خاص بـ( لها أون لاين )                      ـ ما سر هذا الاهتمام العالمي بالمرأة في ضوء مرجعية الأمم المتحدة، وهيمنة النموذج الغربي في عرض "المرأة المتحررة"؟
أنا اعتقد أن هناك ثأراً تاريخيًّا من جهتين: من اليهود ومن المرأة. المرأة في الحضارة العالمية المهيمنة  حالياً كانت مكبوتة ذليلة، في المعطيات الدينية والسياسية الأوربية،قبل المسيحية - وبعدها - كانت شيئًا ثانويًا تافهًا مهمشًا في معظم الفترات،وإن برزت في بعض الفترات، حتى إنه في النصرانية ناقش بعض القساوسة والكرادلة: هل روحها روح إنسان كالرجل أم إن روحها روح حيوان سكن جسمًا بشريًا. أذلوها واحتالت على هذا في كثير من الأحيان، حتى إنها لما كانت مقموعة داخل الأديرة احتالت على هذا بما سميّ دينياً  وكنسيًا "البغاء المقدس"؛ بأن تَهَب جسمها ونفسها للمسيح،أو للآلهة،أو نحو هذا.
 أيضًا،هنالك ثأر تاريخي لليهود الذين أقسموا بشرف أمهاتهم أن يصنعوا جيلاً لا يستحي من النظر إلى عورته،وأن يُعَروا الأمميين، وأن يستخدموهم،وهم في ذلك وظفوا نساءهم وأيديولوجياتهم لتحقيق هذه المقولة.فأنا أرى أنه لا بد من استصحاب الثأر التاريخي للمد النسوي من أيام الإغريق إلى ما بعد المسيحية التي قمعت المرأة ومنعتها من الترقي في السلك الكهنوتي،ومن أن تقول برأيها،وبمجرد أن وجدت فرصة انطلقت لا تلوي على شيء، وخاصة بعد الثورة الصناعية،وبعد كثرة الحروب التي اجتاحت عشرات الألوف،بل مئات الألوف،والملايين في بعض الأحيان، وغياب الرجال، واضطرار النساء لأن يعملن وينفقن ويكدحن؛ ما جعل المرأة مستقلة اقتصاديًا، وتستطيع أن تخرج بلا رقيب، وبلا رجل أو عائل،فملكت نفسها،وانطلقت نحو المساواة  بالرجل؛ في الأجر، وفي امتلاك البضع بعد ذلك،وكأن من حق الرجل أن يملك بُضعه والعياذ بالله تعالى!
                    ـ ما النهاية التي تتوقعونها لهذه المطالب؟ أو ما السقف لهذه المطالب التي تصر عليها مؤتمرات المرأة؟
 أنا أعتقد أن سيناريو التطور في أوروبا،أو حتى في البلاد العربية هو الذي يحدد السقف الذي يريدونه. وأنا أقول دائماً: كانت المرأة في مصر قبل ثمانين سنة منقبة، فكشف وجهها،وقال المسلمون: "فلانة وِشَّها مكشوف"،ثم كُشف شيء من ساقها وشعرها،ثم كشف ما هو أكثر حتى قامت قرى العراة على طول سواحل البحر الأبيض والبحر الأحمر،ومن الإسكندرية إلى طنجة، السقف هو الذي تنادي به نوال السعداوي في أن تملك المرأة نفسها ملكية تامة تتصرف كيف تشاء، أن تكون لها علاقات حتى بعد الزواج، ونوال السعداوي صرحت بهذا.
 وناقشتني امرأة ذات مرة،وحدثتني عن أن المرأة لابد أن يكون لها علاقات بأكثر من رجل، فكان تعليقها العفوي ـ وقد تربت في الخارج ـ: "كيف تعرف المرأة الفرق بين رجل ورجل؟" وهذا سمعته بأذني، لا بد أن تعرف وأن تذوق!!
 السقف هو الذي نراه في أوروبا؛ غياب الأسرة، والمرأة إذا لم يعجبها رجل نظرت حولها ووجدت أكثر فحولة ووسامة فذهبت إليه. السقف هو الذي لن يكون فيه إنجاب؛ المرأة الأوروبية التي لا تنجب الآن تهدد المجتمع الأوروبي من الانقراض بعد خمسين سنة بحيث يكون المجتمع من الشيوخ والعجائز، لا شباب فيه بسبب العناية الصحية وقلة الإنجاب. 
 السقف: غياب الأمومة والأبوة، السقف: الأمة التي لا تعرف معنى الخجل ولا معنى العورة ولا معنى العار،ولا ترى إشكالاً في أن تنجب المرأة من غير زوجها.
 السقف هو العلاقات الأوروبية التي تتخذ عشرين شكلاً تقريباً: علاقة المساكنة،وعلاقة الزواج الحر، وعلاقة تبادل الزوجات، وعلاقة الذكر بالذكر، والأنثى بالأنثى والمجموعات المختلطة ذكور وإناث...
ونحن على خطى القوم، وسيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم عبر تعبيرًا غريبًا جداً،لكن معناه له دلالة، قال : "لَتَتّبعن سَنَن مَن كان قبلكم حذو القُذَّة بالقذة"،آخر الحديث حسب بعض الروايات: "حتى إن منهم من أتى أمه علانية لكان فيكم من يفعل ذلك".لا أرى هذه التتمة من باب ما يستحيل تصوره،لكني أظنها إشارة إلى أن القوم سيفعلون هذا؛ ففي أوروبا وبعض الدول الاسكندنافية أبيح زواج المحارم،وكُتبت كتب الآن في زنا المحارم،فصار قانونيًا،كما كان الشذوذ انحرافًا والآن صار قانونيًا في بعض البلدان.
                    ـ إذا تجاوزنا قضية التنظيمات وأهدافها ومرجعياتها،ألا ترون أن هذه الجهود المكثفة والمسيّسة صادفت إهمالاً من قِبَلنا؛ الأمر الذي يبرر وجود نوع استجابة لهذه المطالب؟
 هل أهمل الإسلاميون جانب المرأة؟ أقول: نعم بشكل عام؛ فأكثر الإسلاميات مُغَيبات عن الوعي؛ عن الوعي بالله تبارك وتعالى،وعن الوعي بالإسلام،وعن الوعي بالواقع، وعن الوعي بالتحديات التي تواجههن، وعن فنون التربية التي تؤهلن أن يكنّ أمهات.
وهذا مُنْبنٍ على جملة ملاحظات ومعايشة بين النساء في المحاضرات والكتابة والدعوة بشكل عام. أحس بأن أكثرهن لسن مؤهلات لمواجهة العصر.
الجانب الآخر من الإهمال أن كثيرًا من الإسلاميين لم يقرؤوا أطروحات العلمانيين عن المرأة بشكل واعٍ، خصوصًا أن أمثال هذه الأطروحات مكتوبة من ثلاثين سنة مثلاً ؛ فنوال السعداوي أطروحاتها ليست جديدة حتى يُفاجأ بها الإسلاميون! إنهم لا يتواصلون مع الكتابات الموجهة ضد الإسلاميين بشكل صحيح، وبشكل حِرَفي ودعوي.
والإهمال أتى من جهة أننا لم نؤهل نساء يصلحن لمواجهة الشبهات والإشكاليات المطروحة ضد المرأة المسلمة. على سبيل المثال أنا عندي صفوف كثيرة من العلمانيات من الممثلات، والصحفيات،والحزبيات، وأستاذات الجامعة وغيرهن،هل عندي طوابير من الداعيات؟ لا تستطيع أن تعد إلا أسماء قليلة جداً.
                    ـ ما أسباب غياب المرأة العالمة، الفقيهة،الداعية،المثقفة...؟
غياب الرؤية الإسلامية الصحيحة المتوازنة لأهمية دور المرأة من وقت مبكر، خاصة من جانب الرواد الأوائل؛ فهم لم ينتبهوا لقيمة دور المرأة مبكرًا،وإلا كان هناك وجوه دعوية من وقت مبكر، لم يُخَرّج جيلنا أسماء عشر داعيات بارزات، في المقابل أنا أعد  لك : نوال السعداوي،وفاطمة مرنيسي، وغادة السمان،وحنان عواد، وتوجان فيصل، وأسماء كثيرة جداً.عُدَّ لي من الإسلاميات اللواتي يكافئن هؤلاء قدرة. أنا أزعم أنك ستعجز عن عَدِّ خمس نساء!
الرواد لم ينتبهوا إلى دور المرأة إلا كلامًا لكن تفعيلاً وتوجيهاً وإعداداً لم يكن موجوداً.  
 لا.. ليس هذا إلا في طوائف قليلة من الإسلاميين، لكن أكثر الطوائف تؤمن بأن لها دورًا،لكن لا تعرف كيف تُفَعّله، هذا رأيي أنا؛ بدليل أن بناتهن تخرجن من الجامعة، ودرسن وعملن وصرن أمهات،لكن دون فاعلية اجتماعية واضحة، وأنا أتكلم على الجيل الذي تعامل مع الدعوة من سبعين سنة،وليس جيل الشباب الذي بناته في سن المراهقة الآن.
                     ـ كيف نستطيع تدارك هذا التقصير، وما السبيل لإخراج مثل هؤلاء داعياتٍ مسلماتٍ؟
 السبيل : أولا أن تخرّج لي دعاة من الرجال؛ دعاة قرؤوا الساحة بشكل واعٍ ويعرفون أنه لا يفل الحديد إلا الحديد، ولا يواجه المرأة إلا المرأة،والأطروحات الموجودة عن المرأة على الساحة ينبغي أن تواجه بأطروحات مضادة نسائية تُحسن عرض الإسلام وتُحسن نقد الفكرة،والرد على الشبهة من النساء أنفسهن،وإلا فأكثر الذين يكتبون عن النساء من الرجال،وهذه مفارقة كبيرة جداً!
                     ـ من المطالب التي تلح عليها الجمعيات النسوية "المشاركة السياسية" للمرأة، وهنالك توجهات كثيرة لإشراك المرأة في العملية السياسية.. ما رأيكم؟
أريد تحديد معنى المشاركة السياسية،إذا كان المراد بها أن تكون رئيسة للدولة فهذا غير وارد في فقه السياسة الشرعية في الإسلاملأسباب كثيرة،منها طبيعة المرأة المسلمة، وأنا لا أتحدث عن طبيعة  المرأة العلمانية الخرّاجة الولّاجة؛ لأن بيولوجيتها اختلفت عن بيولوجية القارّة في بيتها. لكن أن تدلي برأي،بشكل من أشكال الإدلاء ،لا أظن أن في هذا إشكالاً من الناحية الفقهية.
                     ـ دأبت وسائل الإعلام منذ زمن مبكر،بداية من مصر إلى العالم العربي على صناعة نجوم فنانين وفنانات، وهؤلاء النجوم لهم تأثير كبير على الجيل، فكيف يمكن أن نحدّ من ذلك التأثير؟
 لن تحد إلا إذا استطعت استخدام بدائل مناسبة، وصار عندي بدائل مناسبة كثيرة عن طريق المجلة الإسلامية،والكتاب الإسلامي، والعمل الإعلامي الإسلامي الذي لا تظهر فيه المرأة ولكن تبدعه، والمحاضرات والنشاط الاجتماعي، وأعتقد أن المرأة يمكن أن يكون لها حضور كبير في المجتمع. صحيح أنه لا يكافئ،لكن أراه من باب {وأعدوا لهم ما استطعتم}؛ لأن للعلمانية أساليب غير شرعية لا نستبيح العمل بها، هم يوظفون جسد المرأة، وأنا لا أستطيع أن أوظفه في الدعوة إلى الله، هم يوظفون الفحش في كثير من الأحيان وهذا لا نستطيع أن نفعله، هم يستبيحون  الاختلاط الشديد عبر وسائل الإعلام وأنا لا أستطيع أن أفعل هذا،لكني أقدم البديل المستطاع المشروع لأقصى درجة حتى أستطيع أن أعذر من الله.
فماذا يمنع المرأة أن يكون لها موقع كبير على الإنترنت للدعوة إلى الله؟ وماذا يمنعها أن يكون لها نشاط اجتماعي أو تعليمي أو دعوي بين النساء وفي المساجد، وأنا أعتقد أن لهذا وجوداً، خاصة في بعض دول الخليج؛ فالمرأة الملتزمة لها حضور جيد، ولها تأثير جيد، والناس يثقون بها ربما أكثر من الرجل، بحسب خبرتي في الميدان، من حيث معرفتها وجَلَدها على العمل، وحضورها.
                     ـ بعض العلماء نادى بالفنان والفنانة المسلمة الملتزمة.. ما رأيكم؟
 هم لا يعرفون ماذا يحصل، لو عرفوا ما قالوا هذا. وهذا كلام نظري لا يمكن أن يقع، أنا أعمل في الإعلام وأعرف ماذا يدور وراء الكواليس،وأعلم أن المرأة تخلع ثيابها، وتخالط الرجل،وتقرأ ما لا يليق،وتقول ما لا يليق،وتسلط عليها الأضواء بما لا يليق، حتى الذين يقولون: المغنية المسلمة كذلك. هذا الكلام تنظيري  فيه كثير من الجرأة والافتئات  على الحقيقة.
 إحدى الفنانات تقول بنص صريح لمجلة زهرة الخليج: "لا أستطيع  أن أكون أماً ولا زوجة"،وأخرى تقول: "الفنانة لا تملك إلا أن تكون صايعة"،ونشرت في الوطن القطرية، ثالثة تقول: "أنا أشك أن تجد امرأة عذراء"! هذا كلامهم هم.
في الختام نشكر الأستاذ عبد السلام البسيوني على هذه الحوار الشيق، والذي عرض فيه ما تحتاجه المرأة لمواجهة التحديات والمنافسات، وناقش بعض الأفكار التي تدور في ساحة المرأة عموماً والمرأة الملتزمة خصوصاً..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق